قطب العربى

"المصرى جيت" والأسئلة المشروعة

الخميس، 02 مايو 2013 06:07 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اللهاث خلف السبق الصحفى أمر مشروع لكل من يعمل بمهنة الإعلام، والبحث عن الحقيقة هو الرسالة الأساسية للصحافة والإعلام، وكم دفع الصحفيون والإعلاميون من ثمن باهظ جراء لهاثهم خلف السبق الصحفى أو الجرى وراء الحقيقة، وكم نفخر بشيوخ المهنة الذين لقنونا دروسا عملية فى تحرى الدقة والمهنية فى عملنا، وكم نأسى لوقوع بعضنا ضحايا أوهام السبق الكاذب، والاختلاق المفضوح.

لم أكن أتخيل رئيسا للتحرير بقدر الزميل ياسر رزق رئيس تحرير المصرى اليوم وهو المحرر العسكرى المخضرم والمحرر الرئاسى السابق يقع فى تلك الورطة التى قد تكلف جريدته ثمنا كبيرا، وأقصد نشر ما وصف بأنه تسجيلات لمكالمات هاتفية دارت بين قياديين فى حماس وقياديين فى جماعة الإخوان، تمت الإشارة إليها ترميزا لا يخفى على فطنة أحد، فمن فى مصر لا يعرف ( م م ) ومن لا يعرف ( م ب) ومن لايعرف ( خ م)، المسألة لا تحتاج إلى برنامج فوازير نيللى ولا حتى جدو فؤاد، ولا تنتظر مزيدا من التوضيح من كل الكتاب والمذيعين الذين تسابقوا الى إعادة نشر أو إذاعة ما نشرته الجريدة، مصحوبا بالتحليلات المسهبة التى تعاملت مع الأمر باعتباره حقا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا أظن أنهم فعلوا ذلك عن جهل، بل الأرجح عندى أنهم لا يصدقون هذه التسجيلات، ولكنهم وجدوا ضالتهم فيها نكاية فى النظام القائم، والعهدة على الراوى طبعا!!.

مثل هذا الخبر الكبير لا بد أنه مر بأكثر من مرحلة تحريرية فى الجريدة بدءا من محرر الديسك ومرورا برئيس القسم، ثم أخيرا رئيس التحرير، وأتعجب كيف لم ينتبه أحدهم لعدم معقولية الخبر، فضلا عن ركاكته، وتضمنه لمصطلحات غريبة من العصور الوسطى مثل المقلاع!!.
بداية ينبغى التأكيد أن عامة الإخوان كانوا يتحفظون كثيرا أثناء اتصالاتهم الهاتفية، فما بالك بقادة كبار من حجم المرشد العام أو أحد أعضاء مكتب الإرشاد، لا يمكن أبدا أن نصدق عقلا أن مكالمة تمت بين أحد هذه القيادات الكبيرة مع قيادات من حركة حماس قبل أربعة أيام فقط من ثورة 25 يناير، وفى عز سطوة نظام مبارك الذى كان يحصى على الإخوان أنفاسهم ويراقب هواتفهم وكل تحركاتهم، ولو كان الإخوان مضطرين لمثل هذا الاتصال فإنهم كانوا يكلفون به شخصا غير مراقب من أجهزة الأمن، وحتى هذا الشخص كان سيتكلم بلغة أكثر غموضا وترميزا لتعقيد مهمة المتنصتين.
ثانيا: إذا كان جهاز أمن الدولة قد قام بتسجيل هذه المكالمات فعلا، فلماذا لم يسلمها لرئيس الدولة (مبارك)، وهى فى هذه الحالة أعظم هدية لذلك النظام للقبض على كل رؤوس جماعة الإخوان وزجهم فى السجون، وفتح ملطمة إعلامية حول مؤامرة الإخوان وحماس على مصر وعلى الرئيس مبارك كانت كفيلة بإجهاض ثورة يناير قبل وقوعها؟!!.

ثالثا: إذا كانت هذه التسجيلات قد وصلت إلى رئيس جهاز المخابرات عمر سليمان، المسئول المباشر عن العلاقة مع حماس فى ذلك الوقت، فلماذا لم يستخدمها على الأقل فى لقائه بقادة من الإخوان المسلمين خلال جلسات الحوار التى شملت رموزا سياسية من الأحزاب المعارضة الأخرى، وقد كان بإمكانه على الأقل أن يحرج بها قادة الإخوان ويرغمهم على تقديم تنازلات مهمة للنظام السابق؟!!.
رابعا: إذا كانت التسجيلات صحيحة فلماذا لم يستخدمها رئيس جهاز أمن الدولة المنحل حسن عبد الرحمن فى دفوعه أمام المحكمة؟!، ولماذا لم ترفق هذه التسجيلات فى محاضر قضية قتل المتظاهرين؟!.

خامسا: وإذا افترضنا صحة هذه التسجيلات ألا يعنى ذلك أن ثورة 25 يناير كانت محض خطة إخوانية دعمتها حماس، وهذا ما لم يقل به الإخوان أنفسهم، وما لم يقل به أحد غيرهم، بل إن المصرى اليوم مع صحف أخرى لطالما حرصت على التأكيد على عدم مشاركة الإخوان فى الثورة فى أيامها الأولى!!.
إما أن تكون هذه التسجيلات صحيحة فتصبح لدينا قضية تجسس كبرى تضم أطرافا متعددة من وزارة الداخلية والمخابرات والرئاسة والإخوان وحماس، وهى لا تقل عن فضيحة ووتر جيت الأمريكية، وإما أن تكون التسجيلات مفبركة ومدسوسة على الجريدة من قبل عناصر أمنية تابعة للنظام السابق تريد الثأر لنفسها حتى لو كان ذلك على حساب سمعة جريدة كبرى ابتلعت الطعم، وقد تدفع ثمنه غاليا.

تؤسفنى كثيرا حالة الفلتان الإعلامى التى تزايدت خلال الأيام الماضية تحت دعوى الحرية، فكم من فرية كبرى نشرتها أو بثتها وسائل إعلامية دون أن يكلف القائمون عليها أنفسهم عناء طرح بعض الأسئلة الجوهرية للتأكد من صحة المعلومات قبل نشرها، وكم من وثيقة مزورة نشرتها تلك الوسائل تتضمن أكاذيب كبرى مثل بيع قناة السويس أو الهرم أو برج القاهرة، أو تخص أسرة الرئيس والرئاسة، أو حتى تشكيل حكومى وهمى، ولم يكلف المسئولون عن النشر خاطرهم عناء التحرى عن مصدر المعلومة وسؤال الأطراف الوارد ذكرها فيها، أو حتى نشر النفى الذى تصدره الأطراف المعنية وآخرها وزارة الداخلية تجاه التسجيلات المزعومة، وهو أمر يخالف أبسط القواعد المهنية، ويدفع الإعلام ثمنه غاليا من سمعته ومن حريته.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة