د. نعمان جلال

المتأسلمون والديمقراطية بين الفكر الصحيح والممارسة العملية

السبت، 07 سبتمبر 2013 08:56 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يقصد بالمتأسلمين الذين يدعون الإسلام ويرفعون شعارات ترتبط به ويسلكون سلوكا ويفعلون أفعالا عكس ما طلبه منهم الإسلام وتتعارض مع القرآن الكريم وأقوال الرسول، وتعبر فقط عن اجتهاداتهم وآرائهم وليس عن صحيح الدين كما فسره وكتب عنه العلماء العالمون بالدين وأصوله.

ومن ثم نجد أن المتأسلمين لهم صفات أربع تعكس فكرهم ونظرتهم حتى وإن نسبوها للإسلام فهو منهم برىء كما سنرى فى هذا التحليل الأولى: يرون أنهم أوصياء على خلق الله مخالفين بذلك قول النبى، صل الله عليه وسلم "هلا شققت عن قلبه؟" وما رواه عبد الله بن عمر، رضى الله تعالى عنهما، أن رسول الله، صل الله عليه وسلم، قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى". رواه البخارى ومسلم، وقول الله، سبحانه وتعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآَمَنَ مَنْ فِى الأرض كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) {يونس: 99}، وقوله تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِى الْوُجُوهَ ۚ بئس الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) {الكهف: 29}.

الثانية: إنهم يتبعون منهج التقية أياً كان مذهبهم. ومفهوم التقية له معنى وتطبيق محدد فى القرآن الكريم وهو يرتبط بعلاقة المؤمنين بالكافرين الذين كانوا يعذبونهم، وكان المسلمون آنذاك قلة ضعيفة ومستضعفة ارتباطاً بالآية الكريمة: (لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِى شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ) {آل عمران: 28} وهذه الآية فى نهايتها تحذير من التوسع فى مفهوم التقية، والآية الآخرى توضح ظروف الالتجاء إلى التقية فتقول: (مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) {النحل: 106}.

أى أن التقية التى وردت فى القرآن واضحة وهى ترتبط بالإيمان بالله، مع إظهار خلاف ذلك فى حالة القهر المادى وربما المعنوى الشديد. وترتبط تاريخياً واجتماعيا ببعض الفئات الضعيفة عند نشأة الإسلام كحالة عمار بن ياسر وصهيب بن سنان وبلال الحبشى وغيرهم، حيث كان عمار بن ياسر وأمه وأبيه يعذبون بالضرب الشديد وإلقائهم فى الرمال الحارقة فى عز الظهيرة ومع ذلك كان يقول: "أحدٌ، أحد" حتى مات الأب والأم وأصر عمار على رفض التخلى عن عقيدته، وبما أن الإسلام دين الرحمة والرسول هو نبى الرحمة فإن الله أذن لهؤلاء وأمثالهم أن يتلفظوا بالكفر اتقاء للعذاب الشديد وحفاظاً على أرواحهم حتى لا يموتوا، ومن ثم فإن الهدف هو الحفاظ على النفس البشرية التى خلقها الله سبحانه وتعالى وكرمها على خلقه جميعا.

ولكن النفاق هو "أن يظهر الإنسان غير ما يبطن لأسباب سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية" وهو ما ينطبق عليه قول الله تعالى: (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) {الصف: 3}، وقول النبى الكريم الذى رواه أبو هريرة، رضى الله عنه، أن الرسول، صل الله عليه وسلم، قال: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان. وفى رواية أخرى عن عبد الله بن عمرو، رضى الله عنهما، عن النبى، صل الله عليه وسلم، قال: "أربع من كن فيه كان منافقا، ومن كانت خصلة منهن فيه كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر". خرجه البخارى ومسلم، ولقد لوحظ أن كثيراً من الأحزاب السياسية التى تحمل اسم الإسلام يعلن المرشد العام وأعوانه أن المظاهرات سلمية ثم يستخدمون المولوتوف والأسلحة البيضاء ويكدسون الأسلحة والقنابل فى المساجد وفى مقر الحزب والجماعة. فكأنهم يعلنون التقية ضد الكفار والذين هم من منطقهم الدولة وكل مواطن لا ينتمى إلى جماعتهم وهذا ما لا يقره الإسلام.

الثالثة: عدم الإيمان أو الولاء للوطن تحت شعارات ومفاهيم خاطئة ترتبط بمفهوم "الأمة" وهو مفهوم مغلوط، فلفظ الأمة فى القرآن لا يعنى "الدولة" وإنما يعنى معانٍ متعددة، أولها ينبع من قول الله تعالى عن سيدنا إبراهيم عليه الصلاة السلام: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) {النحل: 120} رغم أنه كان فرداً ولكن القيم والمبادئ والمثل التى عبر عنها كانت شاملة كما لو كانت تعبر عن مجتمع بأسره. والمعنى الثانى هو أى جماعة من الناس لقوله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) {آل عمران: 104}، وقوله تعالى: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِى حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) {القصص: 23}، والمعنى الثالث بمعنى جماعة تؤمن بعقيدة معينة أو دين معين لقوله تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) {الأنبياء: 92{ وقول الرسول الكريم "المؤمنون أمة" وفى صحيفة المدينة "المسلمون أمة.. واليهود أمة وأشار للقبائل كذا وكذا بأنهم أمة" فى حين أن دولة المدينة أكدت مبدأ الانتماء الدينى وهو انتماء ثقافى أو عقيدى، ولكنها من ناحية أخرى أكدت الانتماء الوطنى، لأن صحيفة المدينة أوضحت أن جميع أهل المدينة يتناصرون ويدافعون عنها ويحمون بعضهم بعضاً ورفضت مبدأ التخلى عن الوطن، أى المدينة، الدولة لمصلحة العقيدة أو الدين ومن ثم أقامت دولتها على أساس الإيمان بالوطن. وقد أكد القرآن الكريم أهمية الوطن وأسماها البلد بقوله (لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ [1] وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ [2] وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ [3]) {سورة البلد}، أى أن البلد التى هى مسقط رأس الإنسان جديرة بالانتماء والولاء ولعظم ذلك أقسم بها الله وربط ذلك بالميلاد الذى هو الأساس الطبيعى للجنسية. وكذلك فى نظرة النبى إلى مكة عندما هاجر منها قائلاً: "واللهِ إنكِ لأحبُّ أرض الله إلى، وأحبُّ أرض الله إلى الله، ولولا أن أهلكِ أخرجونى منكِ قهرًا ما خرجتُ".

وعملية الخلط المتعمد بين مفهوم الوطن ومفهوم الأمة، وبين مفهوم الدولة المدنية القائمة على مبدأ المواطنة المتساوية بغض النظر عن الدين، ومفهوم الدولة الدينية التى ليست من الإسلام هو عملية حديثة ارتبطت بالكاثوليكية وسيطرتها على أوروبا، كما ارتبطت بالدولة العثمانية بوجه خاص واحتلالها للدول العربية ثم بالدولة الصفوية وتشويهها الصورة الصحيحة للإسلام وللمذهب الشيعى الصحيح. ولعله مما يذكر أن الحسن بن على، رضى الله عنه، رفض مفهوم التوارث السياسى للسلطة باسم الدين لأنه فى أساسه مفهوم قبلى وليس مفهوماً إسلامياً وأعلن المصالحة مع الدولة الأموية حقناً لدماء المسلمين، ولذلك سمى ذلك العام بعام الجماعة، كما أن الإمام العظيم جعفر الصادق رفض أية ضغوط لتحويل فكره الـدينى واجتهاداته للصراع السياسى على السلطة، ولهذا أحبه الشيعة كما أحبه السنة على حد سواء. فهو من سلالة النبى محمد صاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام.

الرابعة: مبدأ التقية السياسية الذى يطرحه المتأسلمون يجعلهم يعلنون إيمانهم بالديمقراطية رغم أن كتاباتهم ضد ذلك، ويعلنون إيمانهم بالوطن رغم أن سلوكهم يتعارض مع ذلك، ويرفضون النشيد الوطنى والعلم الوطنى بل يرفضون مفهوم الوطن كما قال المرشد العام السابق للإخوان المسلمين (محمد مهدى عاكف) عن مصر "طز فى مصر" وكما ساوى الرئيس محمد مرسى بين الإرهابيين الذين خطفوا الجنود المصريين فى سيناء وبين الجنود المخطوفين ورفض تعقبهم ومعاقبتهم بدعوى أن الطرفين يجب حمايتهم. وتتساءل كيف يمكن لرئيس دولة أن يساوى بين جنوده وأعدائهم أى يساوى بين الضحية والجلاد، بين المعتدى عليه وبين المعتدى، إلا لو كان الجلاد والقاتل ينتميان إلى نفس السلطة القائمة. وتتجلى التقية السياسية فى تشدق الأحزاب المتأسلمة بالديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدنى رغم أن المرجعية النهائية ليست الشعب وإنما المرشد أو المرجع الأعلى أو نحو ذلك من المسميات ويزداد الأمر عجباً إذا كان هذا المرشد نصيبه محدود للغاية من الثقافة الدينية كأن يكون مدرس تربية بدنية "أى رياضية" أو طبيب بيطرى أو طبيب تخدير أو مهندس ونحو ذلك، وكل ثقافته الدينية أنه قرأ قشورا من الكتب الدينية التى تنشرها جماعته وعشيرته ثم تحول إلى داعية ثم مرشد ومفتٍ يتحدث فى الإسلام بما يعبر عن فكر غير صحيح، وثقافة ضحلة، ويتحدث بلغتين لغة لبنى عشيرته وأخرى للأجانب الذى يعيشون فى وهم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهم ارتكبوا أفظع الجرائم، وتجاهلوا ما يحدث لشعب فلسطين من قمع وتعذيب وسرقة أراضيهم وحقاً قال الشاعر العربى موضحاً هذا المفارقة أو ما نسميه الآن بالمعايير المزدوجة:
قتل امرئ فى غابة... جـريـمة لا تغتفر
وقـتـل شـعـب آمــن.. . مسألة فيها نظر

* باحث فى الدراسات الإستراتيجية.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة