ربع قرن على انهيار جدار برلين.. الفرح ينتصر على الرصاص

الأحد، 09 نوفمبر 2014 05:50 م
ربع قرن على انهيار جدار برلين..  الفرح ينتصر على الرصاص سور برلين
كتب بلال رمضان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سؤال من صحفى للناطق باسم الحزب الاشتراكى أنهى حصارًا دام 28 عامًا وأطلق ثورة "الرائحة المتعفنة للحرية" على دوى فرقعات زجاجات الشمبانيا لتكون بذلك المعركة الوحيدة فى التاريخ بدون رصاصة أو سفك دماء.. والمدينة تنتظر 100 ألف زائر لإنعاش السياحة

إنه موت قُدَّ من أسمنت، انتصب فى هيئة ستار حديدى عالياً، كرمزٍ للطغيان، يمزق أوروبا إلى شطرين على مدى جيلين. حاجزًا أسمنتيا وأسلاكاً شائكة، قائمًا فى وسط مدينة برلين ويشطرها إلى نصفين، ويعذب روح الأمة، ليبقى علامة لإمبراطورية تحبس شعبها كى تمنعه من الهرب، ليفصل شطرى برلين الشرقى والغربى والمناطق المحيطة فى ألمانيا الشرقية بغية تحجيم المرور بين برلين الغربية وألمانيا الشرقية، وجرى تحصينه على مدار السنين، أدى خلالها مهمته بفعالية ووحشية من أبراج مراقبة بشرية تقمع التوق البشرى إلى الحرية. قفز الناس فوقه، وحفروا الأنفاق تحته، خطفوا الطائرات كى يعبروه، وصدموه بالشاحنات، ولكن الجدار الذى بنى ليصمد مائة عام، لم يعمر طويلاً، حتى تحطم بضربة صاعقة.

وفى التاسع من نوفمبر لعام 1989، وتحديدًا فى الساعة 6.15 من ذلك اليوم. كان جمهور تليفزيون ألمانيا الشرقية على موعد مع بداية الكريسماس، ففى تمام الساعة السادسة والنصف مع مقابلة صحفية متلفزة على الهواء مباشرة مع الناطق الرسمى الجديد باسم اللجنة المركزية لخلية وسائل الإعلام وعضو المكتب السياسى للحزب الاشتراكى الألمانى ذكر فيها الرفيق جونتر تشابوسكى بالإنجازات العظيمة للاشتراكية. وقدم تقريرًا يبعث على التثاؤب، قبل أن يرفع أحد المراسلين يده، فى الساعة السابعة إلا ثلاث دقائق. ويسأله: متى سيسمح للمواطنين بحرية السفر؟ وجاء الرد صاعقًا: "يستطيعون أن يغادروا حيثما يريدون، ولن يوقفهم أحد".

وحتى هذا اليوم لا يمكن لأحد أن يحسم إذا ما كان الجواب عفويًا أم مدروسًا، والأرجح كما يقول "اريك دورتشيمد" فى كتابه "دور الصدفة والغباء فى تغيير مجرى التاريخ" أن "تشابوسكي" كان مأخوذًا بأحداث الانهيارات المتسارعة داخل بلده، وأيًا كان السبب فإن أحدًا داخل القاعة أو خارجها فى العالم كله لم يتوقع هذا الجواب. وقد ذهل الجمهور للوهلة الأولي، قبل أن يحصل هرج ومرج داخل الأستوديو، وتنهال الأسئلة على المتكلم الذى رفع يديه ليهدئ الصحفيين. ربما أدرك فجأة أن اختياره للكلمات كان ديناميتيًا سياسيًا، وأنه مضطر إلى إيضاح إجابته المتسرعة، فأضاف: إن هذه التعليمات لا تشمل حدود OOR المحصنة، وعلى أية حال، فإن سلطات الحدود ستتلقى تعليمات بإصدار تأشيرات خروج لمن يريد المغادرة لبضع ساعات، ليوم، أو إلى الأبد.
وفى قرابة العاشرة من مساء اليوم نفسه بدأت الحشود تتجمع قرب نقاط تفتيش مختلفة. أخرج الألمان الشرقيين بطاقاتهم الزرقاء وطلبوا من حرس الحدود أن يسمح لهم بالمرور. وعلى مدى ساعة تقريبًا بقى رئيس حرس الحدود محافظًا على سيمائه الحجرية. لقد علمهم نظامهم طاعة الأوامر. ورغم أنهم تابعوا المقابلة الصحفية، لكنهم لم يتلقوا أية تعليمات رسمية حتى حينه. وفى هذه الأثناء انتشر النبأ فى المدينة كلها، وسرعان ما تجمع المئات والآلاف على جانبى الجدار، وبدأت الجماهير تصيح "افتحوا البوابات". تسلق شاب ألمانى جرئ إحدى اللوحات التى تغطى الجدار من الجهة الغربية، فتبعه العشرات، ثم المئات من الشباب المغامرين، فارتبك الجنود، وفجأة فلتت زمام الأمور كليًا إذ فتح أحد الحراس بوابة جانبية ليخرج بغية تهدئة الحشد؛ غير أنه سرعان ما وجد نفسه وقد نُحى جانبًا عندما اندفعت مجموعة كبيرة مجتازة البوابة إلى الجهة الغربية. وتبعتها جحافل بشرية، فوقف حرس الحدود الشرقيين عاجزين تمامًا، لا يدركون ما يجري، ولا ما ينبغى عليهم فعله لسد ثقب بدأ ينفث منه البخار المضغوط منذ ثمانية وثلاثين عامًا. فى دولة المرجل البوليسى. عند ذلك بدأ الحرس يخبرون زملائهم فى النقاط الأخرى، وعن اعتقادهم أن أوامر عليا قد وصلت. فبدأت نقاط التفتيش تفتح بوابتها.
ربما تغير مجرى التاريخ لو رفع أحد الحراس بندقيته وأطلق على الحشد، إلا أن رجال الشرطة الخائفين لم يفعلوا شيئًا سوى السير على طول قاعدة الجدار، يشاهدون الجماهير السكرانين وهم يلوحون لهم بزجاجاتهم، لتدوى فرقعات لم تكن صادرة من كلاشينكوفات، إنما عن سدادات زجاجات الشمبانيا. لم تطلق أية رصاصة، ويمكن للمرء أن يزعم الآن، وعن حق أن هذه المعركة الوحيدة فى التاريخ، التى انتهت بدون سفك دماء.
وفيما يستعد الجميع اليوم للاحتفال بمرور ربع قرن على هذه الذكرى، قرر شقيقان فنانان تقسيم المدينة من جديد، لكن بالأضواء وببالونات بيضاء، لتقسم برلين من جديد، لكن هذه المرة لمدة ثلاثة أيام فقط ولن يكون ذلك بجدار أسمنتى، بل جدار من الضوء وبالونات بيضاء، مكون من ثمانية آلاف بالون أبيض ستعلق على امتداد الخط الذى كان يشكل الجدار العازل وسط المدينة. وذلك من شارع بورنهولمر شمال العاصمة مرورا بحديقة الجدار، ثم إلى ساحة بوتسدام وحتى جسر اوبيرباوم بين حيى فريدريش هاين وكرويتسبيرغ. هذا الجدار الضوئى والقطعة الفنية سيمتد على طول 15 كيلومترا.

جاءت فكرة الحزام الضوئى الذى يفصل المدينة من الشقيقين المخرج مارك باودر وفنان الضوء كريستوفر باودر، اللذان بحثا – بحسب ما نشر فى المواقع الألمانية - عن طريقة لإظهار الأبعاد الحقيقية للجدار العازل. ولتنتظر المدينة أكثر من 100 ألف زائر خلال أيام الاحتفال بالذكرى السنوية. ويشكل ذلك فرصة مهمة لقطاع السياحة.











مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة