تنفست إيران الصعداء بعد خطاب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أمس والذى أعلن فيه عن استراتيجيته تجاه إيران والاتفاق النووى، حيث لم يأت خطابه بما كانت تخشاه طهران وهو إعلان انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية المبرمة بينها والدول الغربية فى 14 مايو 2015، أو الاعلان عن إدراج مؤسسة الحرس الثورى على قوائم الإرهاب.
قرارات ترامب التى جاءت أقل من التوقعات دفعت إعلام طهران للإشارة إلى أن قراراته جاءت نتيجة لتهديدات قائد الحرس الثورى لاستهداف الجيش الأمريكى قبل أيام، على نحو ما كتبت صحيفة كيهان المتشددة على صدر صفحتها "معادلة الحرس نجحت.. ترامب لم يجرؤ على وضعه على لائحة المنظمات الإرهابية".
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب
أمس وجه ترامب خطابا يمينيا تصعيديا لإيران، ولم تحمل الكلمة الذى انتظرتها طهران كثيرا واستمرت 20 دقيقة، مساء الجمعة، قرارات صارمة تتناسب مع حجم هجومه على طهران الذى دأب عليه منذ أن كان مرشحا لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، كما جاء القسم الأول من كلمته مماثل تماما لخطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 19 سبتمبر 2017.
وبدأ ترامب كلمته بوصف النظام الإيرانى بـ"النظام المنبوذ"، ولفت إلى أن استراتيجيته لم تعتمد فقط على منع ايران من حيازة اسلحة نووية، بل شملت تقييم لعدة محاور منها سياسات النظام فى الداخل والخارج، وفى مقدمتها دعم الارهاب، واستمرار عدائها فى الشرق الاوسط وفى العالم، وتقييم للدور الإيرانى ونفوذها الاقليمى ما يهدد المصالح الأمريكية فى المنطقة.
واستعرض تاريخ النظام وعلاقته بالولايات المتحدة منذ عام 1979 أى منذ انتصار الثورة الإيرانية ووجه له جملة من الاتهامات، ووصفه بالنظام المتعصب الذى استولى على السلطة منذ 1979 واجبر الشعب على الخضوع لسلطته، ونشر الخراب والقتل فى انحاء العالم. واستدعى ترامب حادث احتجاز الرهائن الأمريكيين داخل شفارة امركيا بطهران لأكثر من 400 يوم، واتهم حزب الله بتفجير السفارة الأمريكية فى لبنان بدعم من ايران فى عام 1983.
خاطب الداخل الإيرانى
وألقى ترامب الضوء على الداخل الإيرانى وخاطب الإيرانيين، وقال ان النظام يكبت مواطنيه ويقتل المعارضين فى الشوارع خلال الثورة الخضراء (احتجاجات 2009)، ووجه خطابه للإيرانيين، وقال أنهم ضحايا النظام دفعوا ثمن تعصب قادتهم وعنفهم الشعب الايرانى طواق لإعادة تاريخ بلدهم وثقافته وحضارته وتعاونه مع جيرانه، نأمل ان التدابير الجديدة تجبر حكومة ايران على اعادة تقييم دعمه للإرهاب على حساب شعبه، وهذه لم تكن المرة الأولى التى يخاطب فيها الإيرانيين فقد خصهم بجزء كبير من خطابه فى الأمم المتحدة.
الصفقة النووية فى الكونجرس
وجاء المحور الثانى الذى خصصه لـ "الصفقة النووية" حيث انتظر الكثيرون اتخاذ قرار صارم تجاهها، لكنه خالف توقعات الكثيرين الذين رأوا أنه سيعلن الانسحاب من الصفقة، والقى بالكرة فى الكونجرس الذى قال أنه سيعمل مع حلفاء واشنطن فى إعادة النظر فيها. وتكرار ترامب لكلمة "الحلفاء" وإشراكهم فى النظر فى هذه الاتفاقية التى تمس أمنهم القومى بعكس الإدارة السابقة ترجم العديد من ردود الأفعال التى تضامنت مع استراتيجية واشنطن فى المنطقة.
وقال ترامب إنه كان من المفترض ان تساهم الصفقة فى السلم الأمنى ولا يزال النظام يؤجج الصراعات فى الشرق الاوسط ولا تلتزم بروح الصفقة، ما يعنى أن ترامب قدم تعريفا لـ"روح الصفقة" ومقياسه هو التزام طهران بالسلم الأمنى.
استراتيجية واشنطن
وخصص ترامب النصف الثانى من خطابه للإعلان عن الاستراتيجية الجديدة التى تضمنت عدة محاور لتقويض إيران، اولها: مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها النظام الإيرانى ودعم حلفائنا، ثانيا: فرض عقوبات جديدة على ايران لتقلل من تمويل الارهاب، ثالثا: سنعرقل تطوير الاسلحة والصواريخ، واخيرا سنحرم النظام من الحصول على السلاح النووى.
كما أعلن عن عدة خطوات، اولها: فرض عقوبات صارمة على الحرس الثورى الايرانى، وفرض عقوبات على عملائها، ثانيا: برنامج الصواريخ الباليستية، وفيما يتعلق بالبرنامج النووى قال أنه لن يصدق على الاتفاق النووي الإيراني وعلى الكونجرس دراسته ليقرر ما إذا كان سيعيد فرض عقوبات على طهران علقت بموجب الاتفاق، وقال أنه فى حال لم نتوصل إلى نتائج مع حلفائنا والكونجرس سيلغى الاتفاق فى أى وقت، ما يعنى أنه ترك الباب مفتوحا أمام إلغاء الاتفاق سيكون محل مراجعة دائمة.
ومن خلال استعراض كلمة ترامب يمكن القول بأن ضغوط شركاء الاتفاق الاوروبيين والتى راهنت عليها إيران قد نجحت فى عدم الاعلان عن قرار حازم بشأن الاتفاق النووى، كما جاءت الكلمة تكرارا لما قاله فى تصريحات سابقة قالها الرئيس الأمريكى فى يوليو الماضى خلال مقابلة مقابلة مع "وول ستريت جورنال" "بأنه لا يتوقع أن يؤيد الصفقة النووية فى شهر أكتوبر"، وهو بالفعل ما حدث، كما جاءت متوقعة بالنسبة للكثيرين بأن يلقى بالصفقة إلى الكونجرس الأمريكى المنقسم هو الأخر بين مؤيد ومعارض لها، ما يعنى أن مستقبل هذه الصفقة أصبح على المحك.
روحانى يرد الاتهامات باتهامات
فى مقابل الاتهام بالإرهاب وتصنيف ترامب لإيران كدولة راعية للإرهاب، جائت كلمة الرئيس حسن روحانى بعد دقائق معدودة من خطاب ترامب، ترد على الاتهامات باتهامات مماثلة، واستعرض الرئيس الإيرانى هو الأخر تاريخ توتر العلاقات الإيرانية الأمريكية، وقال أنا أدعو الرئیس الأمريكى الی قراءة التاریخ و الجغرافیا و أیضا مطالعة القرارات الدولیة و الأدب و الأخلاق و الأعراف الدولیة و العالمیة.
وبدوره اتهم روحانى الولايات المتحدة بالتخطيط لانقلاب عقب انتصار الثورة فی ایران منذ أیامها الأولی، ودعم الرئيس الراحل صدام حسين فى الحرب العراقية الايرانية، وقال "دعمتم قصف المدن الايرانية"، واستدعى روحانى حادث إسقاط طائرة الركاب المدنية الإيرانية بوساطة مدمرة أمريكية، فى 3 يوليه 1988، قائلا "تناسيت أنكم استهدفتم طائرتنا المدنية وكرمتم المعتدين فى هذا الحادث ومنحتوهم الجوائز".
ومواصلة لكيل الاتهامات، قال روحانى انتم من جلب الحروب الى المنطقة هل نسيتم ماذا فعلتم بشعوب افغانستان والعراق وسوريا وباقى الدول؟، قلقون من صواريخ ايران؟ كيف تعطون اسلحتكم لدول تعتدى على غيرها.
وأثارت تسمية الرئيس الأمريكى الخليج بمسماه الصحيح "الخليج العربى"، غضب روحانى قائلا "یجب ان يطالع الجغرافیا کیف لا یتعلم رئیس دولة اسم خلیج شهیر تاریخی عالمی؟ أعنی الخلیج (الفارسی) الذی تتردد الأساطیل الأمريکیة فیها بدون أسباب ویا لیت یسأل العسکریین الأمیرکیین کیف یُکتب اسم هذا الخلیج؟ و لهذا یجب ان یقرأ علم الجغرافیا أکثر".
وحول الاتفاق النووى، قال روحانى فصل الخطاب لترامب، أن بلاده ستبقى ملتزمة بالاتفاقية حتى يتم تأمين مصالحها، نحن سنتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية حتى رعاية حقوقنا والحفاظ على مصالحنا، لكن في حال عدم توفير مصالحنا لن تتوانى إيران للحظة وسترد على ذلك، وأكد الرئيس الايرانى انه لن يتم إضافة أى فقرة أو ملاحظة على الاتفاق النووي أو حذف أى فقرة منه.
فريق الرئيس الإيرانى
إيران تزاد تمسكا بالاتفاقية
ويظهر الخطابان عمق القضايا الخلافية بين البلدين، كما أنه يشير إلى أن ترامب رغم اعتراضه القوى علي الاتفاق النووى إلا أنه تجنب ربما الآن الاعلان عن الانسحاب منه لكنه ترك الباب مفتوحا فى قرار الانسحاب، مقابل إيران التى ازدادت تمسكا بالاتفاقية النووية بعدما شعرت انها نجحت فى حشد الشركاء الأوروبيين الذين ضغطوا على البيت الأبيض، وكان مخرجه الوحيد أن القى به أمام اعضاء الكونجرس وحلفائه فى الشرق الأوسط.
وشعرت طهران بعد خطاب فدريكا موجرينى منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبى الذى جاء بعد دقائق من خطاب ترامب، أكدت فيه على التزام الاتحاد الأوروبى بالاتفاقية، شعرت أنها اكتسبت تأييد أوروبى ووجدت من يقف إلى جوارها فى معركتها القادمة مع الكونجرس.