رئيس الاتحاد النوعى لجمعيات حماية المستهلك: 70% من المعروض فى الأسواق منتجات«بير السلم»
أشرف الجزايرلى: الجهات الرقابية لا تحكم سيطرتها إلا على المصانع التى تعمل بشكل رسمى
«قمر الدين» المشروب الرسمى لشهر رمضان.. تتزين به أغلب موائد الإفطار.
وبعيدا عن أسعاره التى ارتفعت بسكل كبير هذا العام، فإنه أحد المشروبات المفيدة للصحة، لما يحتويه من مكونات، فهو غنى بالفيتامين «أ» ويفيد فى علاج فقر الدم وتنشيط وظائف الكبد وتنظيم عمل الأمعاء، ويشتهر عصير قمر الدين بغناه بمعدن البوتاسيوم المهم لصحة القلب، ولذلك فهو يقلل من خطر الإصابة بجلطات القلب والسكتات الدماغية، كما يحمى من الإصابة بمرض السرطان، خاصة سرطانات الجلد، الرئة، والدم.
تلك هى الفوائد التى يذكرها خبراء التغذية لمشروب قمر الدين الشهير، ولكن هل تخيلت أن هذا المشروب اللذيذ البرتقالى اللون الذى تنتظر إنطلاق مدفع الإفطار حتى تروى به ظمأك، قد يكون أحد مسببات الإصابة بالسرطان، إذا كان مصنوعًا من قمر الدين الذى يجرى تصنيعه فى معامل بير السلم غير المرخصة التى يتم فيها تحضيره بالمخالفة للمواصفات القياسية المصرية رقم 1582 تحت اسم «لفائف قمر الدين»، وبعيدا عن أعين الجهات المختصة؟
فى هذا التحقيق تكشف «اليوم السابع» عبر مغامرة صحفية كواليس صناعة « قمر الدين» فى أحد معامل بير السلم، والمراحل التى يمر بها حتى يتم طرحه فى الأسواق بأسعار مخفضة قبل أيام قليلة من حلول شهر رمضان الكريم، ويأتى هذا فى الوقت الذى تشن فيه الجهات الرقابية ممثلة فى مباحث التموين حملات مكثفة لضبط المصانع المخالفة فى جميع محافظات الجمهورية.
اشتراطات ومواصفات حبر على ورق
وقبل الدخول فى تفاصيل المغامرة نوضح الضوابط التى وضعتها هيئة المواصفات والجودة وكذلك الإشتراطات البيئية والصحية التى لابد أن تتوافر فى الأماكن تقوم بالصناعات الغذائية، وأهمها اختيار مبانى بعيدة عن مصادر التلوث والأدخنة والروائح الكريهة والمناطق الآهلة بالسكان، وذات أرضية ملساء سهلة التنظيف، ولها أبواب بسيطة التصميم منعا لتراكم الأوساخ، وتتوافر فيها الإضاءة المناسبة ومجالات التهوية الطبيعية المناسبة وتتمتع مخازنهها بدرجة حرارة مناسبة للتخزين.
وحددت وزارة الصحة مجموعة من الاشتراطات الواجب توافرها فى العاملين فى مجال الصناعات الغذائية، وأهمها الالتزام بالملابس الوقائية منعا لإنتقال العدوى، والحصول على شهادات بالتحصينات ضد بعض الأمراض.
تتطلب صناعة قمر الدين، أصناف معينة من المشمش، وتحديدا تلك الثمار اللينة التى تعدت مرحلة النضج وبدأت فى السقوط تلقائيا من اشجارها، وهنا تدخل مرحلة دخولها فى التصنيع الغذائى، التى تبدأ أولا بغسيل الثمار بالماء البارد عدة مرات، ووضعها فى قطعة من الشاش وغمرها فى مياه ساخنة درجة حرارتها 90 درجة مؤوية لمدة دقيقة واحدة وبعد ذلك ترفع الثمار سريعا وتنقل إلى جهاز استخلاص اللب للتخلص من البذور والألياف للحصول على عجينه مشمش صافية دون اضافة ماء، ويفضل استخدام البخار الساخن على درجة حرارة 90 درجة مؤوية كبديل عن غمر الثمار فى ماء ساخن حتى لا تفقد الثمار جزءا من محتواها السكرى فى ماء النقع، وبعد ذلك يتم وضع عجينه المشمش الناتجة فى براميل مبطنة بالنايلون او جراكن من البلاستيك وتعبأ حتى نهايتها وتغلق باحكام.
وبشكل عام فإن المواصفات الخاصة بالمنتج النهائى تنص على ضرورة أن يكون المنتج خاليا من البذور او اجزائها او المواد الغريبة، وان يكون متجانسا فى القوام واللون والطعم والرائحة المميزة لثمار المشمش تامة النضج ويحظر استخدام الألوان الصناعية، كما يجب أن يكون المنتج خاليا من الروائح الغريبة وتكون اللفائف غير ملتصقة يسهل فردها، وألا تزيد نسبة الرطوبة عن 18 %، ولا تزيد نسبة السكريات الكلية عن 70 %، ولا تتعدى نسبة الألياف عن 3.5%، والا تزيد الحموضة الكلية عن 5 % مقدرة كحامض ستريك، ولا تتعدى نسبة ثانى اكسيد الكبريت عن 1500 جزء فى المليون، واخيرا خلو المنتج من بكتريا القولون والا يزيد عدد الخلايا الفطرية عن 100 خليه لكل جم.
«قمر الدين بالقاذورات والحشرات فى مصانع بير السلم»
شنت مباحث التموين مؤخرا حملات مكثفة، قامت خلالها بغلق ما يقرب من 11 مصنع غير مرخص فى عدة محافظات منها القاهرة والجيزة والإسكندرية والقليوبية وسوهاج وبنى سويف وبورسعيد.
ورغم تعدد المحاضر التى تم تحريرها ضد أصحاب المصانع المخالفة، فإن هناك عددا كبيرا من المصانع مازال يعمل فى الخفاء، ولم تطله يد الرقابة بعد.
ومن بينها المصنع الذى خضنا فيه هذه المغامرة، فالوصول إليه لا يتطلب سوى عبور ممر ضيق وسط العديد من المحال المتخصصة فى صناعة الحلويات فى شارع باب البحر بمنطقة رمسيس، إحدى أشهر المناطق التى يقصدها العشرات من راغبى شراء الحلوى والياميش.
وفى نهاية الممر تقع إحدى الحوارى الضيقة التى لا يمكن ملاحظتها بسهولة، وعلى يمين مدخلها يوجد محلان هما مدخل ومخرج لمعمل واحد، تراصت أمامه مجموعة من البراميل الزرقاء غير محكمة الغلق، يحرسها رجل ستينى طوال الليل.
مع اقتراب عقارب الساعة من الثانية عشرة صباحًا، ومع هدوء حركة السير فى تلك المنطقة، يبدأ توافد العديد من العمال الذين يسارعون فى رفع أبواب المحلين، حيث يبدأ العمل الذى يستمر حتى الساعة السادسة صباحًا من اليوم التالى.
داخل المحل الأول وضعت العديد من الطاولات الخشبية وبعض المراتب اللازمة لراحة بعض العمال، بينما اشتمل المحل الثانى على العديد من أدوات التصنيع المتراصة على أرضيته.
ويمتلئ المحل الذى توجهنا إليه بحجة الرغبة فى شراء كميات من لفائف قمر الدين لبيعها فى الأسواق بالقاذورات، التى تلتصق بأقدام العمال العارية، بخلاف الأوانى الصغيرة التى يحفها الصدأ من كل الاتجاهات، وتنبعث منها الروائح الكريهة، بالإضافة إلى البراميل التى يحيط أطرافها سائل قمر الدين وبداخلها مجموعة من الآلات البدائية المستخدمة فى تلك الصناعة، ومنها 3 أوانٍ حديدية تركت مكشوفة، وتستخدم فى تسخين العجين الذى انهمك مجموعة من الشباب فى الإمساك به بأيديهم العارية.
وقام عامل آخر بتقليب العجين بواسطة «مغرفة» كبيرة، وذلك لتحويله إلى سائل، وانحصرت مهمة عامل آخر فى جمع قطع العجين المتناثرة على الجدران، وإعادتها مرة أخرى لأوانى التسخين بواسطة سكين يستخدمها عامل الطلاء فى عمله.
بعد تحويل العجين المكون من السكر والمضافة إليه الألوان الصناعية ومكسبات طعم، والخالى تماما من ثمار المشمش، إلى سائل يتم وضعه فى «صاج» كبير ورفعه على منضدة خشبية تتوسط المعمل حتى يجف، ليتم نقله بعد ذلك إلى الخارج ووضعه على الأرفف الحديدية الموجودة يسار المحل.
وبعد أن يجف السائل تأتى المرحلة الثالثة، وهى مرحلة التقطيع والتقسيم التى يقوم بها أحد العمال بيده العارية، على منضدة خشبية تركت فى العراء تزحف عليها العديد من الحشرات وبعدها يتم وضع العجين فى رقائق بلاستيكية تمهيدًا لتغليفها فى كراتين.
«المصنع بتاعنا اشهر مصنع فى الحتة ديه وبنوزع إنتاجنا على المحلات كلها».. هكذا بدأ أحد أقدم العمال فى المصنع حديثه لـ«اليوم السابع»، مرجعًا شهرة المصنع إلى رخص أسعاره وجودة إنتاجه مؤكدًا: « الناس بقت تهمها الأسعار.. الزبون دلوقتى بقا يدور على المكان الرخيص ويروحله، ورغم ذلك أحنا ملتزمين إننا نقدم للناس أحسن حاجة».
غياب الاشتراطات الصحية داخل المعمل يبرره عامل آخر بقوله «فيه موسم ورزق وطلبيات بالآلاف فمش هاينفع نعطلها للبحث عن غطاء يد للعاملين أو مسح الأرضيات»، متابعا: «ياعم صلِّ على النبى معدة المصريين تستحمل الزلط».
فيما يقول عامل ثالث مدللًا على حرصهم على نظافة المكان: «بعد انتهاء عملية التصنيع بنكنس، ونمسح الشارع كله، وبنرجع كل حاجة زى ما كانت، يعنى لو عديت الصبح مش ممكن تتخيل إن فيه مصنع هنا».
«حماية المستهلك» و«الصناعات الغذائية» تحذر فقط
وتتحدث فيه سعاد الديب، رئيس الاتحاد النوعى لجمعيات حماية المستهلك عن طرح قمر الدين «المغشوش» فى الأسواق، والضرر الذى يعود على المستهلك، قائلة: «مادامت معامل بير السلم متروكة للظروف سيظل الوضع كما هو، فوسط حالة الغلاء التى ضربت كل السلع لم يعد المستهلك يجد ما هو فى متناول يده، لذلك يتجه تلقائيا لشراء المنتجات المضروبة كبديل بأسعار زهيدة لتلبية احتياجاته الأساسية».
وأضافت: أصبح القائمون على تلك المصانع المخالفة يجدون قوة شرائية كبيرة على منتجاتهم التى يجرى تصنيعها بعيدا عن أعين الرقابة.
وأشارت رئيس الاتحاد النوعى لجمعيات حماية المستهلك إلى أن 70% من المعروض فى الأسواق عبارة عن منتجات «بير سلم»، مؤكدة ضرورة أن تتبنى الدولة فكرة إدخال تلك المصانع المنتجة تحت المظلة القانونية على اعتبار أنها مشروعات صغيرة لتخضع للجهات الرقابية، مشيرة إلى أن القائمين عليها من الشباب.
وقالت: للأسف هم ضحايا أيضا، ليست لهم حقوق تأمينية أو صحية، وغلق تلك المشاريع يزيد نسبة البطالة، ودون ذلك سيظل المواطن البسيط هو الضحية.
وتابعت: دورنا من خلال الاتحاد توعية المستهلك بخطورة المنتجات «المضروبة»، ونصحه بالشراء من الأماكن الرسمية المعتمدة حتى يحصل على حقه فى حالة حدوث أى مخالفة، لكن الشراء من أماكن عشوائية غير موثوقة المصدر يصعب من عملية مساندة المواطن الذى يتعرض لمخاطرها.
واتفق معها أشرف الجزايرلى، رئيس مجلس إدارة غرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات، قائلًا إن الجهات الرقابية لا تُحكم قبضتها سوى على الأماكن التى تعمل بشكل رسمى، وتتجاهل المصائب التى تتم فى مصانع «بير السلم».
وأكد: أصبحنا أمام واقع نجد فيه جزءا كبيرا من الصناعة غير منظم، وأن الحل فى هذه الحالة هو إنشاء هيئة سلامة الغذاء التى يعمل من خلالها الجميع بشكل منظم، مع توفيق أوضاع تلك المصانع العشوائية وتدريب العاملين فيها.
وأضاف الجزايرلى: السلع المضروبة تؤثر فى الأسواق على نظيرتها التى يتم إنتاجها بشكل رسمى، خاصة أنها تُطرح بأسعار أقل بكثير ولكن فى النهاية يبقى القرار للمستهلك.
وخلال إبريل الماضى، طرحت الشركة القابضة للصناعات الغذائية الياميش فى الأسواق بأسعار مخفضة بنسبة 20 % عن نظيرتها المطروحة فى السوق الحرة قبل رمضان بأيام قليلة، وهذا مراعاة لاحتياجات المستهلك، ورغم ذلك دخلت السلع المضروبة فى منافسة معها.
وفى هذا الشأن يقول ممدوح رمضان، المتحدث الرسمى باسم الشركة المصرية للصناعات الغذائية: صناعه بير السلم تستفيد من كل الخدمات الموجودة فى الدولة دون الالتزام بأى معايير، كما تتهرب من الضرائب، بخلاف المشاكل الصحية التى تنتج عنها.
وأضاف: كل ما نتمناه من وزارة التموين هو التأكد من مصادر السلع الموجودة فى الأسواق، وتنظيم حملات على الجهات المخالفة، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
وقال الدكتور محمد عز العرب، أستاذ الكبد والجهاز الهضمى، مؤسس وحدة الأورام بالمعهد القومى، إن العديد من المصانع المخالفة للاشتراطات الصحية والبيئية تضيف بعض الإضافات الكيميائية ومكسبات الطعم واللون والرائحة التى تسبب الإصابة بأمراض الفشل الكلوى، وبعض أنواع السرطانات نظرا لاستخدام مواد محرمة ومحظورة دوليا.
وأضاف: أى اضافات حتى لو كانت طبيعية لابد أن يكون لها تاريخ صلاحية، وفى حالة هذه المنتجات المغشوشة يكون من الصعب اكتشاف تاريخ صلاحيتها.
وحذر عز العرب المواطنين من شراء المنتجات مجهولة المصدر، مشددا على ضرورة الإبلاغ عن أى مصنع يقوم بهذا العمل المخالف، حرصا على حماية المواطنين من الأمراض المختلفة التى عادة ما تبدأ بتسمم غذائى ثم أمراض فيروسية وبكتيرية وتنتهى بترسب بعض المعادن الثقيلة مما يسفر عن الإصابة بالفشل الكلوى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة