الجدل الثقافى حول "مسلسل الجماعة" يؤكد أهمية الدراما التاريخية

الخميس، 22 يونيو 2017 05:00 ص
الجدل الثقافى حول "مسلسل الجماعة" يؤكد أهمية الدراما التاريخية مسلسل الجماعة 2
أ ش أ

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من بين نحو 35 مسلسلا تلفزيونيا فى سياق ما يعرف "بماراثون الدراما التلفزيونية الرمضانية" تشهد الساحة الثقافية المصرية جدلا بشأن الجزء الثانى من "مسلسل الجماعة" فيما يؤشر هذا الجدل حول المسلسل الذى كتبه وحيد حامد لأهمية الدراما التاريخية.
 
وإذ رأى المخرج محمد فاضل أن الأعمال الدرامية هذا العام أفضل من العام السابق، فقد ذهب فى مقابلة صحفية إلى وجود "أخطاء متعمدة فى مسلسل الجماعة" ومنها علاقة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بجماعة الإخوان.
 
وقال محمد فاضل "وحيد حامد من أكبر المؤلفين، ولذلك فإن أى خطأ عنده ليس كخطأ أى مؤلف آخر وما أثير حول المسلسل أدى من وجهة نظرى إلى عزوف البعض عن مشاهدته"، فيما اعتبر مثقف مصرى آخر هو المحامى ثروت الخرباوى أن "وحيد حامد ظلم جمال عبد الناصر".
ومع عرض الجزء الثانى من هذا المسلسل المثير للجدل على شاشة الدراما الرمضانية هذا العام، قال القيادى السابق فى جماعة الإخوان "ثروت الخرباوى" إن هناك أخطاء تاريخية وقع فيها مؤلف مسلسل الجماعة، مؤكدا أهمية إظهار "الضلال الفكرى والجانب الظلامى لجماعة الإخوان"، وثمة كتابات وتصريحات وأقوال للرئيس الراحل جمال عبد الناصر يشير فيها إلى أنه فى مرحلة شبابه الباكر واهتمامه بالشأن العام حاول الاقتراب من أحزاب وتنظيمات عديدة من بينها جماعة الإخوان للتعرف على أفكارها ومدى جديتها فى العمل الوطنى دون أن ينتمى تنظيميا لأى من هذه الأحزاب والتنظيمات التى لم يجد فيها ما يتفق مع رؤاه ومبتغاه.
 
ومع إعلانه عن كتاب جديد له سيصدر قريبا يرد فيه على الاتهامات التى جاءت فى المسلسل، وصف ثروت الخرباوى ما يتردد عن انتماء الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فى مرحلة من مراحل حياته لجماعة الإخوان- كما يشير هذا المسلسل التلفزيونى- بأنه أمر "عار تماما من الصحة".
 
وتابع "تحققت كثيرا من تلك الواقعة ولم أجد لها أى إثبات" فيما أعاد للأذهان أن عناصر جماعة الإخوان الإرهابية هى من كانت تروج لهذا الأمر غير الحقيقى.
 
وفيما باتت الدراما التاريخية "عنصرا أساسيا فى الوجبة الإبداعية التلفزيونية" على حد قول الكاتب والمفكر المصرى سمير مرقس، فإنه يرى أن طبيعة الأمور هى "الاختلاف وأنه ليس من الطبيعى أو المنطقى أن يحظى العمل الدرامى أو الفنى بالإجماع".
 
وكان بعض الكتاب والمعلقين الذين رفضوا بشدة ما جاء فى الجزء الثانى لمسلسل "الجماعة" حول عضوية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فى جماعة الإخوان قد اقترحوا فى سياق تأكيدهم أهمية تصحيح التاريخ وحماية مصداقية المعرفة أن تقوم جهات مثل "الجمعية التاريخية المصرية" بإصدار بيان يصحح المعلومات ويستند إلى الحقائق والوثائق.
 
وبلغت التساؤلات عند بعض من وصفوا ما ورد فى الجزء الثانى من المسلسل التلفزيونى "بالافتراءات على الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وثورة 23 يوليو 1952 والتاريخ" حد القول: "هل يمكن أن يتدخل القانون لمنع عرض مسلسل الجماعة لما فيه من تزييف للوقائع"؟.
 
وكان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذى تعرض غير مرة لاستهداف حياته من جماعة الإخوان قد وصف تلك الجماعة الارهابية بأنها "متعصبة" كما رفض بشدة محاولاتها فرض الوصاية على ثورة 23 يوليو .
 
ولئن اعتبر سمير مرقس أن من حق المبدع "اختيار زاوية المعالجة التى يرى أنها تحقق له تطلعاته الإبداعية" فمن المآخذ المتعددة لكتاب ومعلقين فى الصحف ووسائل الإعلام على مؤلف مسلسل "الجماعة" وحيد حامد أنه اعتمد على مصادر ومراجع كتبها منتمون لجماعة الإخوان فيما يؤكد السيد سامى شرف مدير مكتب المعلومات الأشهر للرئيس الراحل جمال عبد الناصر أن الزعيم الراحل "لم يكن أبدا عضوا بجماعة الإخوان ولكنه كان متصلا بكل التيارات السياسية على الساحة المصرية بهدف التعرف عليها.
 
وإلى جانب ما اعتبره حلقة جديدة فى مسلسل النيل من ثورة 23 يوليو وقائدها جمال عبد الناصر انتقد الكاتب أحمد الجمال بشدة مسلسل الجماعة وما وصفه "بغطرسة المؤلف والمؤرخ المسئول عن مراجعة المادة التاريخية للمسلسل".
 
غير أن الكاتب والمعلق الدكتور وحيد عبد المجيد، يرى أن من وجهوا انتقادات للجزء الثانى من "مسلسل الجماعة" إنما يخلطون بين "الدراما التاريخية من حيث هى عمل فنى" وبين "التاريخ بوصفه علما اجتماعيا".
 
وقال وحيد عبد المجيد أن "صانع الدراما التاريخية لا ينقل أحداثا ووقائع"، فهو ليس "عملا توثيقيا"، موضحا أن "العمل الدرامى له معاييره الفنية والجمالية"، ومشيرا فى الوقت ذاته لإشكالية غياب الوثائق التى "تساعد فى الوصول إلى يقين".
 
ولئن أكد مثقف مصرى بارز مثل سمير مرقس أهمية "الدراما التاريخية وضرورة فتح حوار يدفعنا للتأمل فى دروس التاريخ وكيفية الاستفادة منها فى واقعنا وحاضرنا لصنع مستقبل أفضل، فقد يكون رأيه بشأن الدراما التاريخية موضع جدل بعد أن ذهب إلى أن "الدراما التاريخية لا تؤسس للذاكرة التاريخية".
 
فهذا الرأى الذى قد يختلف معه البعض من منظور الواقع العملى وقوة تأثير الشاشة فى تشكيل وعى الجماهير، يقول صاحبه سمير مرقس إن الدراما التاريخية ليست مصدرا تاريخيا وإنما "نافذة نطل منها على التاريخ ومصادره ومدوناته".
 
وفيما أثارت الدراما التلفزيونية الرمضانية فى السنوات الأخيرة جدلا ثقافيا ملحوظا، فإن الكثير من هذا الجدل دار حول أعمال متصلة بالدراما التاريخية مثل مسلسل "صديق العمر" وكذلك المسلسل التلفزيونى "حارة اليهود".
 
وفيما يؤيد سمير مرقس "التنوع" يذهب وحيد عبد المجيد إلى أن هذا النوع من الجدل الذى يحاكم فيه مسلسل تلفزيونى "كما لو أنه عمل وثائقى أو توثيقى وليس عملا فنيا" سيتكرر "ما دمنا نخلط بين التاريخ من حيث هو علم اجتماعى والدراما بصفتها عملا فنيا".
 
وأوضح عبد المجيد أنه بخلاف المؤرخ أو الباحث فى التاريخ، فالمطلوب من صانع الدراما التاريخية أن "يقدم عملا فنيا جميلا مستقى من التاريخ ولكنه قائم على رؤية إبداعية يلعب فيها الخيال دورا رئيسيا".
 
وكان الكاتب المسرحى بهيج إسماعيل قد أشاد بمسلسل "حارة اليهود"، معتبرا أنه "مسلسل مدروس كتابة وإخراجا وتمثيلا"، فيما كان الكاتب والروائى يوسف القعيد من بين فريق من المثقفين المصريين أبدوا عدم ارتياح حيال هذا المسلسل.
 
وبينما رحب الدكتور مدحت العدل مؤلف هذا العمل الدرامى بالنقد دون تصيد الأخطاء، مؤكدا أن ما يعنيه فى المقام الأول هو "إمتاع المشاهد"، اتخذ الكاتب أسامة الألفى موقفا بالغ الحدة ضد هذا المسلسل التلفزيونى معتبرا أنه يصب فى خانة "تزوير التاريخ"، وقال إنه لا يرى له هدفا أو مغزى "يصب فى صالح مصر وشعبها".
 
وواقع الحال أن هناك نقادا أشاروا إلى أن صدق رواية الحدث التاريخى لا يكبل خيال المبدع أو يحول دون ظهور عمل درامى تلفزيونى ناجح ويحظى بنسب مشاهدة عالية، كما أن الصواب لا يجانب هؤلاء الذين قالوا إنه لا ينبغى اختزال أى حدث تاريخى فى البعد السياسى، لأن هذا البعد محكوم فى نهاية المطاف بمحددات ثقافية وشروط اقتصادية ومعطيات اجتماعية.
 
وهذا الجدل الذى تجدد هذا العام مع مسلسل "الجماعة" كما أثير من قبل حول المسلسل التلفزيونى الرمضانى "صديق العمر" الذى تناول أهم شخصيتين فى ثورة 23 يوليو، كما أثير حول مسلسل "حارة اليهود" إنما يؤشر إلى أهمية الدراما التلفزيونية والحاجة إلى نقد تاريخى موضوعى. 
 
وإذا كانت هذه الدراما هى التى شكلت الوجدان المصرى والعربى لسنوات طويلة فمن المفيد الآن استعادة ما قاله المؤرخ الأمريكى هوارد زن فى كتابه "قصص لا تحكيها هوليوود أبدا"، أن مهمة المبدع سواء كان يكتب أو يخرج أو ينتج أو يمثل فى أفلام أو يعزف موسيقى، ليست فحسب إلهام الناس وتقديم السعادة لهم وإنما تعليم الجيل الصاعد أهمية تغيير العالم.
 
وإذا كان المخرج الإيطالى أنطونينى هو صاحب مقولة إن "أكثر ما يثير انتباهى فى هذا العالم هو الإنسان وتلك هى المغامرة الوحيدة لكل منا فى الحياة"، فللدراما المصرية أن تركز على هذا الإنسان وأن تتطور أكثر خاصة أن الجماهير المصرية والعربية تؤازرها.
 
ومن نافلة القول إننا بحاجة لدراما تلفزيونية مختلفة عن أعمال وصفت بأنها "قد شوهت التاريخ وأفسدت ذاكرة الأجيال الجديدة" ناهيك عن أعمال تنضح بمظاهر الانفلات الأخلاقى ولا تعبر عن جوهر وحقيقة الشخصية المصرية.
 
نعم نحن بحاجة لاستلهام صحيح للأحداث التاريخية لتتحول بقدرة كاتب الدراما إلى مواقف وشخصيات فى سياق رؤية إبداعية وطنية تعزز إدراك الأجيال الجديدة والصاعدة بالتاريخ المجيد لهذا الوطن وتضحيات الآباء والأجداد بقدر ما تخدم المستقبل وترسخ الثقة بالذات المصرية.
فى تلك اللحظات لابد من وضوح الرؤية لتبقى مصر دوما منارة للإبداع والجمال.. الوطن الذى شهد ثورتين عظيمتين فى ثلاث سنوات يتطلب دراما تعبر عن اللحظة المصرية وإلهاماتها.. دراما عن الإنسان المصرى الذى يقدم للدنيا أمثولة مصرية لا تموت.
 









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة