انتشرت فى الآونة الأخيرة بعض الظواهر السلبية من قلة من المواطنين والتى تدل على استهتار بعضهم بحرمة المال العام وعدم إدراكهم لخطورة هذا المسلك الذى يتنافى مع كافة الآداب والأخلاق والأعراف والأديان، وهذا الأمر وإن ظهر جليا فى حادثة حريق إيتاى البارود، إلا أننا نرى حالات كثيرة من الإتلاف المتعمد والذى يكلف الدولة مليارات الجنيهات ومن ثم يصعب تجديد ما يتلف منه بشكل دائم، وفى الوقت الذى تخوض الدولة معركة إصلاح حقيقية من أجل إحداث نهضة اقتصادية وحضارية شاملة بالبلاد وتتخذ إجراءات إصلاحية غير مسبوقة وتتحمل تبعة قرارات اقتصادية جريئة أحجمت عنها كل الحكومات السالفة، نرى سلوكيات سلبية عجيبة تدعو للأسف والأسى.
فقد أصبح من المعتاد أن تقف فى مكان انتظار وفرت الدولة فيه مقاعد لاستراحة المواطن، ثم تجد هيكلا حديديا فارغا من قاعدة الجلوس، أصبح من المعتاد أن ترى أبواب ونوافذ مؤسسات عامة محطمة والصور والأمثلة كثيرة ومعلومة.
والذى نود الإشارة إليه فى هذا الصدد أننا بإزاء أزمة وعى حقيقية، بل تكاد أن تكون حالة من غياب الوعى لدى بعض المواطنين، ولا شك أن نسبة الوعى قد لا تتناسب طرديا مع مستوى التعليم، فمن الممكن أن نرى مواطنا لم يحصل على حظ جيد من التعليم، لكنه يتمتع بدرجة عالية من الوعى نتيجة للتربية الحسنة والبيئة الصحية الصالحة التى استقى منها قيمه وأخلاقه.
فقضية الوعى هى قضية مجتمع ابتداء من الأسرة مرورا بالمسجد أو الكنيسة انتهاء بالمدرسة، نحتاج إلى رفع درجة وعى المواطن فى قضية المحافظة على المال العام ومرافق الدولة كالمحافظة على الملكية الشخصية سواء بسواء، وينبغى أن نأخذ على أيدى من يستهينون بإتلاف المال العام بنفس الدرجة التى توجد عندنا عند اعتداء أحدهم على ممتلكاتنا الشخصية، ولا شك أن الثقافة التى خلفتها الجماعات المتشددة لدى بعض المواطنين من بغض للحكومات والدول ومعاداة للأوطان ولدت لدى بعض الناس عقيدة تشبه عقيدة الاستحلال التى تتبناها هذه الجماعات المتطرفة.
ومهما يكن الأمر فإن اختلاف المواطن مع الدولة أو الحكومة لا يمكن أبدا أن ينقلب إلى عداء مع الوطن، لأن الممتلكات العامة هى ملك للوطن وليست ملكا خاصا للحكومات، لذلك فإن أى إتلاف أو استحلال للمال العام هو اعتداء بشكل مباشر على الوطن، وعلى ملكية الشعب ذاته، ولا شك أن غرس مثل هذه القيم الوطنية فى قلوب النشء قبل عقولهم هى مسؤولية الأسرة فى المقام الأول، فالوالدان هما أول من يعلمان الأبناء بسلوكهما الحسن احترام كل شىء حولهما سواء أكان حيا أم جمادا سواء أكان ملكية عامة أو خاصة، وبعد الأسرة تأتى مسؤولية دور العبادة التى تبين حرمة وجرم الاعتداء على المال العام ومرافق الوطن، ثم يأتى دور المؤسسات التعليمية والتربوية التى يجب أن تضمن مناهجها الدراسية توعية الطلاب بخطورة الاعتداء على المال العام، وأن الاستهتار به مناف للخلق الكريم والنفس السوية.
ثم يأتى الدور المهم لوسائل الإعلام التى توضح للشعب على اختلاف ثقافته انعكاس إهدار المال العام على وجود أزمات حقيقية فى المجتمع، منها عدم وجود المرفق عند الاحتياج إليه وعدم قدرة الدولة على متابعة تجديد وصيانة هذه المرافق التى تستنزف خزانة الدولة وتكلفها المليارت، إن المحافظة على ممتلكات الوطن هو انعكاس صادق لمدى تحضر ورقى الشعوب التى حافظت على هذه المرافق سواء أحتاجت إليها أو لم تحتج إليها، والمحافظة عليها تعكس أيضًا مدى حب المواطن لوطنه وحرصه عليه، وإننا نتعجب من إشادتنا بالشعوب المتحضرة التى تحافظ على مؤسساتها ومرافقها سليمة نظيفة، ثم لا نرى هذا سلوكا عاما لكافة أفراد الشعب، وهذا السلوك السلبى وإن كان يصدر من قلة، إلا أنه أمر لا يستهان به، فنحن نحتاج عندما نبنى إلى تضافر جهود الآلاف من البنائين، لكننا نحتاج إلى عدد أقل بكثير إذا ما توجهت إرادتنا إلى الهدم.
نريد إذن أن نرفع درجة حب الوطن فى قلوب الناس، وأن نعلمهم أن المحافظة على الوطن على الرغم مع كونها فطرة وسجية إلى أنها سبب لسعادة وراحة الشعوب التى تحافظ على أوطانها ونحن شعب نفدى وطننا مصر بأرواحنا ودمائنا، وليس كثيرا علينا أن نتعلم احترام مقدرات وطن نفديه بالروح والدم، ولا شك أن الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى تسابق الزمن وتبذل أقصى ما يمكن تصوره من جهود جبارة مضنية على كافة المستويات وخاصة فى الجانب الاقتصادى وركن أساسى من ذلك تطوير مرافق الدولة بما يناسب نهضتها الحديثة الشاملة، وبما يسمح بإقامة مشروعات عملاقة تضع مصر فى مصاف الدول المتقدمة، ولا نريد أن تكون لدينا سلوكيات سلبية تعطل هذه المسيرة، وتمثل ثقبا تتسرب منه ثمرة هذه الجهود التى هى فى النهاية لصالح الوطن والمواطن، أتصور أن مكافحة هذه السلوكيات السلبية لا تقل أهمية عن مكافحة الإرهاب والعنف، لأن محصلتهما واحدة، وهى التخريب والفساد فى الأرض الذى نهانا الله عنه بقوله تعالى «ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة