قالت الكاتبة والناقدة السورية الدكتورة أسماء معيكل، إن رواية "رغوة سوداء" فضحت وكشفت تناقضات إسرائيل، التى تزعمها، من خلال تعاملها مع اليهود.
جاء ذلك خلال كلمة الكاتبة والناقدة السورية الدكتورة أسماء معيكل، المعنونة بـ"العرق الأسود بين السطح والمركز"، ضمن جلسات ملتقى تونس للرواية العربية، فى دورته الثانية، والذى يعقد تحت شعار "قضايا البشرة السوداء"، وينظمه بيت الرواية، فى مدينة الثقافة، فى العامصة التونسية.
الرواية العربية وقضايا البشرة السوداء
وقالت الدكتورة أسماء معيكل، لقد طرق الأدب بمختلف أجناسه موضوع البشرة السوداء على خلفية من الاستعباد والاستعمار، ففى المخيال العام يقترن السواد بالعبودية. وقد عالجته الرواية العربية، فظهرت نماذج جعلت من مصير الشخصية السوداء المستعبدة موضوعا لها. وجرت العادة فى حديث النقاد عن الرواية العربية باعتبار أن موطنها مصر، أو العراق، أو بلاد الشام، أو المغرب العربى الكبير؛ إلا أننى سأخالف هذه القاعدة الشائعة، وأتحدث عن روايتين جاءتا إلينا من إفريقية؛ الأولى من أريترية، وهى بعنوان "رغوة سوداء" للكاتب الأرتيرى حجى جابر، إذ دمجت بين هجرة اليهود من القرن الإفريقى إلى إسرائيل، والتمييز العنصرى على قاعدة اللون.
رواية زرايب العبيد وقضايا البشرة السوداء
أما الرواية الثانية، فأشارت الدكتورة أسماء معيكل إلى أنها من ليبيا وعنوانها "زرايب العبيد" للكاتبة الليبية نجوى بن شتوان، ولعل كلمة "الزرائب"، وهى حظائر البهائم، فى إضافتها للعبيد، تكشف دلالة التعامل مع العبيد بوصفهم دون البشر منزلة، فهم مثل البهائم، ولهم زرائب لا بيوت، وقد ظل العبيد يتأرجحون بين السطح والمركز بدون أن يتمكنوا من انتزاع مكان حقيقى لهم حتى بعد إلغاء قانون العبودية.
رواية رغوة سوداء
وأوضحت الكتورة أسماء معيكل أن السرد فى رواية "رغوة سوداء" كشف عن شخصية هشة، ومضطربة، بلا اسم معين، وبلا أب أو أم، وبلا انتماء دينى يشار إليه بوضوح، وبلا انتماء وطنى يرجح هويته، فهى شخصية مقتلعة بكل ما تعنيه هذه الكلمة فى هويتها التى شهدت تحولات كثيرة، رافقتها تسميات عديدة للشخصية بحسب الحال التى تكون فيها، ما جعلها تبحث عن تعويض لما تفتقر إليه.
وأضافت أسماء معيكل أنه أمام هذا التشظى كانت الشخصية الرئيسية فى رواية "رغوة سوداء" تنشد الخلاص بصنع أمجاد لها، واختلاق تاريخ مزور، وضرب جذور عميقة لها عبر سرد القصص الكاذبة، والاحتيال بشتى الطرق بحثا عن موطئ قدم فى مكان ما يتيح لها العيش بكرامة فى المركز، غير أن محاولاتها للاعتراف بها باءت بالفشل، وظلت طافية على السطح مثل رغوة سوداء.
وذكرت أسماء معيكل أنا رواية "رغوة سوداء" تفضح عن أمرين مهمين، أولها أنها تدل على الزبد الهش الذى يعوم فوق الأشياء، ولا يشكل جزءا منها، فتحمل دلالة الاقتلاع بسبب استحالة الاعتراف، وثانيها السوداء التى تحيل إلى التمييز على قاعدة لون البشرة، وباجتماع هشاشة الرغوة بسوادها تطرح الرواية قضية العنصرية والبشرة السوداء.
ورأت أسماء معيكل أن المفارقة تبدو شديدة الوقع فى رواية "رغوة سوداء"، وهى مفارقة تقوم على التعارض بين الهوية الاسرائيلية القائلة باعتبار اليهودية مرتكزا رئيسيا لدولة إسرائيل كونها المكان الآمن الوحيد لليهود فى العالم، وبين عدم قبول اليهود من غير البيض مواطنين فاعلين فى هذه الدولة.
وأشارت أسماء معيكل إلى أنه من المعلوم أن إسرائيل تأسست على الحلم الصهيونى بإيجاد حل لليهود أينما كانوا، انطلاقا من فكرة إنشاء وطن قومى لهم يجمعهم على أساس الدين، وليس العرق أو الطائفة، لينعموا بالأمن والاستقرار، بعد ما تعرضوا له من اضطهاد نجحوا فى المبالغة فيه، إلى أن كان لهم ما أرادوا بإعلان دولتهم فى فلسطين فى الخامس عشر من مايو سنة 1948. لكن وبمرور الوقت تكشفت الطبيعة العنصرية لإسرائيل، وتبين أن الهجرة إليها لم تكن سببا فى سعادة سوى جزء يسير من اليهود، هم اليهود الغربيون، فيما عانى اليهود الشرقيون من التمييز، إذ نظر إليهم على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية.
كما رأت أسماء معيكل أنه على غرار ما جاء فى "رغوة سوداء" طال تغيير الاسم بطلة "زرايب العبيد" تعويضة، التى عجزت عن انتزاع مكان لها فى المركز فى بيت الأسياد، رغم تعلق سيدها محمد بن شتوان بها، والحب الكبير الذى جمعهما.
وقالت أسماء معيكل أن شخصيات رواية "زرايب العبيد" بدت قابلة بعبوديتها خانعة ذليلة، ومستسلمة لأسيادها وما يفعلونه بها، راضية أن تعيش على الهامش، فطول بقائها فى العبودية جعلها مرتبكة حينما حصلت على حريتها، فراحت تبحث عن عبودية جديدة.
وأوضحت أسماء معيكل أن الكاتب حجى جابر بنى سرده فى رواية "رغوة سوداء" على حادثة حقيقية، لكنه استطاع عبر التخييل الروائى، وإعادة التمثيل للواقع أن يعرض لقضية كبيرة عن معاناة اللاجئين الأريتريين الفارين من بلادهم بسبب الظروف السياسية الطاردة، والفوضى التى تعم البلاد، والقمع والاستبداد، وما بين الحالة الفردية لمقتل الشاب الأرتيرى فى بئر السبع، ووضع أرتيرية السياسى ومعاناة الناس فيها، أدخل الكاتب ببراعة قصة يهود الفلاشا، ولجوئهم إلى أرض الميعاد، ليفضح الطبيعة العنصرية لإسرائيل فى نهاية المطاف. وكان الكاتب قد طرق جانبا من هذا الموضوع فى روايته السابقة مرسى فاطمة.
ورأت أسماء معيكل أن الكاتبة نجوى بن شتوان اتكأت فى بناء روايتها "زرايب العبيد" على صورة فوتوغرافية بالأبيض والأسود لنساء وأطفال سود، وفى خلفيتها عشش هشة، التقطها رحالة إيطالى مجهول فى بداية القرن العشرين، وعبر التخييل السردي، صاغت شخصياتها ومعاناتهم فى ظل نظام العبودية وما يتعرض له الإنسان من القهر والذل، وانعدام أدنى حقوق الإنسان.
وقالت أسماء معيكل لقد أدت العبودية المقترنة بالسواد إلى مسخ هوية الإنسان عموما، والمرأة على وجه الخصوص، فجعلتها أداة للتسرى والمتعة، ولم تلتفت إلى أحاسيسها ومشاعرها وآلامها، وأرغمت على ممارسة الدعارة، وإخضاعها للإجهاض فى حالة حدوث الحمل معرضة حياتها للخطر، بدون أن يرف للأسياد طرف وبلا أدنى شعور بالإثم، أما وصف الحياة التى كانوا يعيشونها فى الزرايب، فقد كشفت الرواية عن واقع مرير، وحياة لا تختلف فى شيء عن حياة البهائم، التى تشاركهم الزرايب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة