حازم حسين

انقضاء وهم الإخوان.. قراءة فى آخر مشاهد الجماعة (1)

الإثنين، 20 مايو 2019 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ليس من المبالغة القول إنّ ما أحدثته ثورة 30 يونيو 2013 من آثار على صراع اليمين الدينى مع الدول الوطنية فى المنطقة، وما أظهرته من شروخ فى جدران الإخوان وغيرها من الجماعات، كان بمثابة التحوّل الجذرى واسع المدى فى خريطة الإسلام السياسى وهياكله، بالدرجة التى يمكن معها اعتبار الأمر نقطة فى نهاية فقرة امتدّت تسعة عقود كاملة.
 
كانت الصورة المُتسيَّدة حتى ما قبل الإطاحة بحكم الإخوان فى مصر، أن الجماعة آخذة فى التقدّم على طريق الهيمنة والتغلغل العميق فى الواقع السياسى لعدد من الدول. صعد قلب التنظيم فى المعادلة المصرية، والأمر نفسه على المحور التونسى بوكالة حركة النهضة، وحكومة العدالة والتنمية وبنكيران فى المغرب، وتنامى حضور الجماعة فى الصراع السورى، وتوسّع أجنحتها فى اليمن والأردن وليبيا، وكل ذلك بفضل الاستناد إلى مركزية القاهرة، وتوهّم الجماعة إحكام سيطرتها عليها.
 
خسارة القلب الصلب للمشروع فى مصر، تبعها تفكُّك حلقات الهيمنة الإقليمية الأخرى، كليًّا وجزئيًّا، لتبرز الأزمات الهيكلية للتنظيم، وتطفو على سطح الأحداث. خسرت النهضة تحالفاتها وشطرًا من مكاسبها، وتراجع إخوان المغرب، وذاب تجمّع الإصلاح اليمنى فى صراع الدولة والحوثيّين، وتبدَّد إخوان سوريا تحت ضربات نظام الأسد وسيطرته على المشهد.. أما فى مصر، المركز المعنوى، فقد تحوّلت الجماعة فجأة من شريك فى مُعادلة السلطة، إلى طريدٍ خارج على القانون والدولة، بالمعنيين الاجتماعى والمؤسّسى، وانتقلت من واجهة المشهد إلى مجتمعات نزوح اختيارية، وفّرت لها الإقامة والتمويل، لكنها لم تسدّ ثغراتها الداخلية، أو تسيطر على بوادر التصدّع والشقوق العميقة فى جسدها.
 
بدءًا من يوليو 2013، أطلّت صراعات الإخوان الداخلية برأسها، فانقسم جسمها الضخم إلى عدّة تيارات: بين صقور قُطبيّين من حرس الجماعة القديم، ووجوهٍ شابة من جيل الوسط وناشئى مكتب الإرشاد، وكوادر سياسية حازت فرصتها الأولى فى حزب الحرية والعدالة، وقيادات حزبية ترتبط عضويًّا بالتنظيم ومُرشده. تبادلوا جميعًا الاتهامات والتبرّؤ من مسؤولية الخسارة والسقوط وانقضاء حلم التمكين أمام القواعد. لكن لم تتضخّم تلك الصراعات وتُفصح عن نفسها بقوّة وقتها، بسبب موجة الشحن والمظلومية التى حاولت الجماعة ترويجها عالميًّا عقب فضّ اعتصام رابعة العدوية، والآمال التى علّقتها على تلك الموجة فى استعادة السلطة أو إحباط نزعها من المشهد السياسى، وهو ما قلّص آثار الصراعات، وأجبر كل تيار من المُتشاجرين على ابتلاع قدرٍ من المسؤولية، والصمت على قدرٍ من فضائح خصومه الداخليّين.
 
صيغة الصمت الاضطرارى، أو الصراع المكتوم تحت رماد الخسارة، على أمل التأثير فى المواقف الإقليمية والدولية، وإجبار الدولة، والسلطة الناشئة من رحم الثورة، على التفاوض مع جسم صُلب ومُتماسكٍ، وترضيته بمكاسب تُناسب كُتلته الموحّدة، ظلّت قائمة نسبيًّا حتى أواخر العام 2016 تقريبًا، مع قدرٍ من المناوشات وحروب التصريحات، ومحاولات تقويض مراكز الخصوم، واكتساب مزيد من المساحات على حسابهم، لكن مع فشل دعوة «ثورة الغلابة» فى نوفمبر من ذلك العام، عقب توجيه الأمين العام للجماعة محمود حسين ملايين الدولارات لدعم تحرّكات ياسر العمدة وعلى أبو النجا ومحمد صلاح سعد، واكتشاف التنظيم الدولى، وما يُعرف بـ«المجلس الثورى» الذى تتزعّمه مها عزام، هشاشة جبهة «حسين» والمكتب الإدارى فى تركيا، الذى يديره أحمد عبد الرحمن مسؤول مكتب الفيوم السابق، إضافة إلى التحوّلات الداخلية الحادة فى الشهر نفسه، عقب مقتل محمد كمال، عضو مكتب الإرشاد عن الصعيد ومسؤول الحراك المُسلَّح، فى مواجهة مباشرة مع الشرطة خلال أكتوبر 2016، وانقسام شباب الجبهة بين خطاب «كمال» العنيف، والولاء للقائم بعمل المرشد محمود عزت، ثم تنظيم انتخابات داخلية واختيارهم مكتبًا عامًّا ومجلس شورى جديدين، ساهمت كلها فى انقضاء موجة الصمت، وخروج الصراعات من حيّز الكتمان إلى العداء الظاهر.
 
تمثّلت أبرز علامات التحوّل فى توجيه المجلس الثورى، وشطرٍ كبير من التنظيم الدولى، دعمهم لجبهة محمد كمال وشباب الحراك المُسلّح. وقتها تحوّل موقف محمود حسين نفسه من دعم محمود عزت، باعتباره قائمًا بعمل المرشد، إلى محاولة اللعب فى الساحة الداخلية بشكل مُباشر، بعد وراثة «عزت» لتركة «كمال» واجتذابه قطاعات واسعة من أبنائه.. كان المشهد أقرب إلى اكتشاف مُفاجئ من إخوان تركيا الذين يتاجرون بالخطاب السلمى، أن الصقر القُطبى محمود عزت تلاعب بالفريقين؛ ليحوز دعم مكتب تركيا، ويُلملم شتات جبهة «كمال» داخل حظيرته، وهنا تحوّلت علاقة محمود حسين بـ«عزت» من الدعم الصادق، إلى العداء المُضمر والاستهداف غير المُعلن.
 
منذ نوفمبر 2016 حتى الآن، تراجع خطاب الوفاق تمامًا، خاصّة مع تأكّد هياكل الجماعة فى الخارج من فشل خطاب المظلومية واستهداف شرعية 30 يونيو. وخلال تلك السنوات الثلاث، رأت الأجنحة الناشئة على أطراف المراكز التقليدية، أن معادلة التراتب التنظيمى والمالى القديمة لم تعد مُرضِية، فى ظلّ تغيّر خريطة الثقل الإقليمى والاقتصادى، وتدفّق تمويلات خارجية مُضافة إلى أموال الجماعة واستثماراتها، وسيطرة فريق محدود من أباطرة التنظيم على أغلب المدخول المالى، بينما يتكبّد آخرون فاتورة أكبر للإبقاء على تلك الموارد، أو بوضوح أكبر، بينما تتدفّق الأموال دعمًا للمُشرّدين، يفوز بها المُنعّمون، وبينما يُسيطر حسين وعبد الرحمن وحلفاؤهما وتابعوهم على الحصة الأكبر من ثروات الجماعة، تُعانى المراكز الناشئة فى السودان وجنوب أفريقيا وماليزيا والفلبين وإندونيسيا وتايلاند وغيرها، وبينما يعيش أيمن نور وسيف عبد الفتاح وسليم عزوز ومعتز مطر وغيرهم حياة مُرفّهة، يُطرَد شباب الجماعة من أعمالهم، أو يعيشون على الكفاف والإعانات.. وهكذا بدأ الصراع يأخذ مَنحى مُغايرًا، توارت فيه الجماعة كتنظيم سياسى، أو حتى دينى، لصالح صيغتها الجديدة ككيان اقتصادى وشركة هادفة للربح، ومع تسيُّد تلك الصيغة أصبحت إدارة المشهد محكومة بحسابات العوائد ودراسات الجدوى وإرضاء الزبائن والمانحين!








الموضوعات المتعلقة

الصيام فريضة وليس صيدلية 3/1

الأربعاء، 15 مايو 2019 10:00 ص

الصيام فريضة وليس صيدلية 3/2

الخميس، 16 مايو 2019 10:00 ص

الصيام فريضة وليس صيدلية 3/3

الجمعة، 17 مايو 2019 10:00 ص

هكذا يتنفَّس جسد مصر

الأحد، 19 مايو 2019 10:00 ص

مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة