مساء الجمعة 15 مارس أعلنت اللجنة المشرفة على انتخابات الصحفيين، فوز ضياء رشوان بمنصب النقيب، ليبدأ فى اليوم التالى تشكيل هيئة المكتب، ويُباشر المجلس مهامَّه بشكلٍ عاجل.
كان ذلك خلال 2013 للأسف، لكن مؤخّرًا احتاج الأمر 3 شهور منذ انتخابه؛ حتى نجح «ضياء» وزُملاؤه فى تشكيل هيئة المكتب، مساء الأحد، وإطلاق مجلس النقابة من مَحبسه الإجبارى، الذى تَحُدُّه قُضبانٌ من خلافات المَغَانم الشخصيّة. وقد آثرتُ ألا أُعلق على الأمر إلا بعد إنجاز التشكيل، حتى لا يُعلّق الزملاء فشلهم على أعناق تعليقاتنا، ولا نكون كمن يسكب الزيت فوق النار!
النقابة التى تأسَّست قبل ثمانٍ وسبعين سنة، لم تشهد ارتباكًا طوال تاريخها كما هى الحال الآن، حتّى مع مجلسها الأوّل «المُعيَّن» بين إبريل وديسمبر 1941، برئاسة محمود أبوالفتح، حَسمَ الأعضاء خلافاتهم سريعًا، رغم أنّ أحدًا منهم لم يستند إلى شرعيَّة انتخابيَّة، ولم تدعمه جمعيّة عُموميّة، أو تراتبيّة أصواتٍ يُمكن أن تكون مدخلاً لتجاوز الصراعات.
أوشكت النقابة أن تضع قدمًا بادئةً فى عقدها التاسع، ولم تشهد على مدى 51 مجلسًا أدارها أكثر من عشرين نقيبًا، اشتعالاً للصراعات وتعطيلاً لدولابها التنفيذى كما يحدث حاليًا، بينما ينقسم الأعضاء إلى جبهتين مُتساويتين، ويقف النقيب مُعتصِمًا بما يعتبره «حِيادًا»، حتّى يصل الفُرقاء إلى التوافق بجهدهم الفردىّ!
الأزمة أن خروج المجلس الثانى والخمسين على أعراف النقابة وتقاليدها المُستقرَّة، بعجز أعضائه عن توزيع اللجان وتشكيل هيئة المكتب، لا يُمثِّل إهدارًا فادحًا لميراث صاحبة الجلالة وبلاطها العريق فحسب، وإنَّما ينحرف فى اتّجاهٍ آخر، يحمل ضمن احتمالاته تقويض شرعيّة المجلس، ونقضها، إذ يُشكِّل صراعُهم المكتوم اختراقًا واضحًا للقانون واللائحة الداخلية!
يُنص القانون 76 لسنة 1970 فى مادته 44، على أن «يختار مجلس النقابة برئاسة النقيب، فور انتخابه، وكيلين وسكرتيرًا عامًّا وأمينًا للصندوق، ويُكوّنون مع النقيب هيئة المكتب»، بينما تشترط اللائحة فى مادتها الثامنة أن «يعقد مجلس النقابة أولى جلساته فى مُستهلّ كلّ دورة، عقب انتهاء أعمال الجمعية العمومية العادية، وفى مدى لا يجاوز الثلاثة أيام، وينتخب فى هذه الجلسة هيئة مكتب المجلس وأعضاء لجنتى القيد ومراقب النادى، ويضمّ الترتيب اللازم لتشكيل اللجان».
فوريّة النصّ القانونى تعنى التلاصق الزمنى بين انتخاب المجلس وتشكيل المكتب، أو فى اليوم التالى على الأكثر، بينما تُمهِل اللائحة 72 ساعة. وبالنظر إلى إجراء الانتخابات 15 مارس، أو حتّى إعلان النتيجة فجر 16 مارس، يُصبح المجلس مُلزَمًا بتشكيل مكتبه بدءًا من السبت، وبحدٍّ أقصى الاثنين، هذا التأخير معناه أن قادة نقابة الرأى واحترام القانون، تجاوزوا التشريع بأكثر من 90 يومًا، ويقفون الآن عُراةً أمام القانون والصحفيّين، وأمام تاريخ النقابة وأعرافها، حتى لو أنجزوا التشكيل أمس أو غدًا.
المُؤسف، أن المجلس لا يضمّ سوى عضوين جديدين، أى أن قرابة 85% لديهم خبرات نقابيّة، ويملكون ذخيرةً سابقةً من التوافق وحسم الأمور سريعًا، لذا فإن الموقف الراهن يحتملُ سُؤالاً وجيهًا للزملاء، عن عِلّة التعطيل، ومَن يتسبّبون فيه!
إذا كانوا يحتاجون ثلاثة شهور من دورتهم التى تمتدّ سنتين حتى التجديد النصفى «مارس 2021»، لإنجاز خطوة إجرائيّة بسيطة، تُمثّل بداية العمل لا نهايته، فإنَّ جدارةَ المجلس تبقى على المَحَكّ، وتقع نوايا أعضائه فى إدارة النقابة لصالح أصحابها، لا سباقات المناصب والهَيمنة، مَحلّ الشَكّ المَقبول جدًّا، دون حسابه على الترصُّد أو القَدح فى رفاق المهنة!
لو صحّت التفسيرات المُتداوَلة، بتعمُّدِ أحد الفريقين تعطيل التوافق، حتى لا يبدأ ضياء رشوان دورته بعلامةٍ كاملة لدى الجمعية، بعدما اقتنص زيادةً قياسيَّة لبدل التدريب والتكنولوجيا بنسبة 25% من قيمته، فذلك أيضًا من مُوجِبات الشكّ والفَحص واستجلاء النوايا، إذ يبدو المجلس وكأنّه يتزلَّج ويلهو على «بلاط الجلالة»، ولا يعنيه أنّ مُشاةً ورُكبانًا يعبرون ساحة اللعب، ولهم شؤونٌ ما كان ينبغى أن تُترَك رَهن مُماحكات التكتُّلات ومراكز القوى التى صنعتها «تربيطات المقاهى»، ولم يصنعها الصندوق والناخبون!
يُشبه الظرف الراهن فترة مُلوك الطوائف، حينما تبعثرت الأندلس بين 22 إمارة، كُلُّ عُصبةٍ بما لديهم فرحون، حتى هوت الدولة بكاملها. الفارق الآن أنّنا نواجه 12 أميرًا، يلعبون فى فريقين، ما يُبشِّر بأن النقابة حال انكسارها، لن تكون أكثر من قطعتين، رُبّما تبقيان على مَقرُبةٍ، أو تذهب كلٌّ منهما فى مسار!
بعيدًا عن حسابات المُتصارعين، يظلّ صمت النقيب طوال تلك الشهور من مُثيرات الأسئلة، فحتّى لو صحَّت المعلومات المُتوافرة بشأن توازن الكَفَّتين، يظلّ بإمكانه التدخُّل للحسم، ودَعك من تطلُّعات التوافق الناعم، طالما لاحت فى الأُفق شواهد على أنّ أحدًا يتعمَّد وضعَ العصا فى العَجَلة. فى تلك الأوقات يستلزمُ الأمرُ تَدخُّلاً خَشِنًا أحيانًا، وفق مسموحات القانون وقواعد الديمقراطية، لضمان الدوران، وخَلق توازنٍ فعّالٍ، يصون المَلعبَ ولا يُبدِّد وقت المُباراة، فلو كانوا فريقين فعلاً، فالأولى أن يكون النقيب حَكَمًا، لا مُشاهدًا من المُدرَّجات، ولا مُرتعِشًا أمام اتّهام كل فريق بأنه مديرٌ فنّى أو مُشجّعٌ مُتحمِّسٌ لغريمه!
للأسف لن يكون تشكيلُ هيئة المكتب نهايةَ الحرب، بل قد يكون البداية، مع ترسيم الحدود، وسيطرة كل فريق على عدّة مواقع، لينفتح البابُ على احتمالات توظيف ما يَحوزه فى تبديد مَكاسب الخصم، أو اقتناصِ مَزيدٍ من المساحات، أو تقريب الزملاء وإقصائهم على قاعدة «الولاء والبَرَاء».
ما أخشاهُ شخصيًّا، أثرُ تلك السابقةِ التاريخيّة على النقابة ومسارها، وعلى إدارة اللعبة الديمقراطية فيها خلال المجالس والدورات المُقبلة، ما حدث من الزملاء فى 2019 شرخٌ عظيم، وما قد يفعلونه خلال الشهور العشرين المقبلة حتى تتدخَّل الجمعيّة العُموميّة لتصحيح الوضع المُختلّ، قد يُعجِّل باتِّساع الشروخ، أو يهزّ أركان البناء، وتلك مسؤوليّة لن يتحمّلها رجال المجلس، ولن يكون بمقدورهم مواجهة تاريخ المهنة والنقابة بذلك الذنب، وعليهم ألّا يُراهِنوا على الغفران، أو ذاكرة الناخبين التى تغسل الخطايا بمَعسولِ الوعود!