أحمد إبراهيم الشريف

إبراهيم عبد المجيد يرثى الجميع ولا يتخلى عن البهجة فى السايكلوب

السبت، 27 يوليو 2019 10:32 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ما الذى يجعل كائنًا أسطوريًا مفزعا بعين واحدة يلقى بظلاله على رواية المبدع الكبير إبراهيم عبد المجيد السايكلوب" الصادرة حديثًا عن دار نشر مسكيلياني؟
 
هذا سؤال جوهري، سنفكر فيه كثيرًا أثناء القراءة، أما إجابته فممتدة ومتشعبة فى الأحداث، ويمكن القول إن جزءًا من هذه الإجابة ستكمله أنت عزيزى القارئ بعد الانتهاء من الرواية، لأن إبراهيم عبد المجيد لم يرد أن يخبرك بكل شيء، لقد أشار هو فقط لمعنى "السايكلوب" لكنه لم يضعه داخل دائرة واحدة لها معنى واحد، لأن "عبد المجيد" كان مشغولا بالرثاء الشفيف الذى بدأ من الذات وانتهى بالوطن.
 
نعم فى الرواية وقف إبراهيم عبد المجيد، الشاعر بالوحدة وغياب الأنس والمتأمل للتغيرات الفجة التى أصابت كل شىء، يتذكر أيامه القديمة، المبهجة رغم صعوبتها، إنه حزين الآن ونحن معه نشعر بالحزن، فرغم أن روايات كثيرة كتبت وإنجازات تحققت، لكن العمر أيضا مر سريعا، والأحباب غادروا مخلفين خللا فى تعاطى معنى الحياة.
 
هل يمكن استعادة الزمن الجميل؟ ماذا لو منحنا فرصة ثانية لبعض الذين أخطأنا فى حقهم بقصد أو بدون قصد؟ هل يمكن أن نستدعيهم مرة ثانية، ونمنحهم القدرة على الفعل، نعطيهم حقهم فى ملأ الثغرات، هذا ما فعله إبراهيم عبد المجيد فى الرواية، لقد استدعى شخصيات من رواياته السابقة، فلدينا "سعيد صابر "بطل رواية "هنا القاهرة" المخرج المسرحى الشاهد على فترة زمنية مهمة من حياة الوطن (مرحلة السبعينيات)، يسعى كى يكتب روايته الخاصة، وقد ساعده "عبد المجيد" المتخفى خلف اسم "سامح عبد الخالق" بأن استدعى "البهي" أحد الشخصيات المهمة فى رواية (لا أحد ينام فى الإسكندرية) وكذلك "زين عباد الشمس" ابن الإسكندرية الذى شرع "عبد المجيد"، من قبل فى كتابة رواية ما وعندما فرض "زين" نفسه على أحداثها توقفت الرواية واختفى المشروع، هؤلاء العائدون من الماضى القريب، تصدمهم التغيرات التى وقعت على الأرض نفسها التى مروا عليها من قبل، فهى تغيرات غير مفهومة وليس لها منطق. 
 
ونحن القراء نبصر من عيون "سعيد صابر" كل شىء كأنها المرة الأولى لنا، نتأمل معه، ونعقد المقارنات بين الماضى والحاضر، ليس هذا فقط، بل إننا نتعرف على الأحداث الجديدة ونحاول فهم الدوافع الكامنة خلفها، نتعجب كلما تحولت الخيالات إلى حقائق، فكل الكوابيس قابلة للتحقق، بينما نحن محدقون فى شاشات الكمبيوتر وعيوننا مسكونة بالذهول.
 
فى الرواية رثاء للثورات العربية ولربيعها الذى ولى لسوريا وجحيمها وليبيا وأزمتها، وللإنسان العائش فى المعاناة ولعواطفه المتجمدة، وللجمال وبهائه الذى توارى خلف السعى عن الرزق، وفى الرواية أيضا رثاء لمنابع الجمال المختلفة ومنها الضحك، لقد صرنا خاضعين للسخرية ومغرمين باتهام بعضنا البعض بكل الموبقات، وصار يعلو صوت البكاء وينتشر النحيب، أما القادمون من الماضى فلا يزالون قادرين على الضحك ولم يتخلوا عن البهجة قط. 
يقول لنا إبراهيم عبد المجيد خلف كل إنسان رواية، منها ما هو اجتماعى ومنها ما هو محفوف بقصص الرعب، ومنها الذى يتجاوز المنطق فيسير فى الشوارع وخلفه النساء يغنين مثلما حدث لـ البهى ونسائه.
 
 وبمناسبة النساء، فهن صانعات البهجة فى الرواية، جميعهن بداية من سعدية وانتهاء بأم زين، التى سمعنا صوتها ولم نرها، مرورا بصفاء الأولى والثانية، وتحية وأخواتها الثلاثة، وحليمة التونسية، أرواحهن مشعة وأجسادهن جميلة موحية، يحملن فى داخلهن سببا حقيقا لمحبة الحياة.
 
ويجب القول بأن البهجة المنبثة بين ثنايا الرواية، خففت الكثير من الحالة النفسية التى كان من الممكن أن تصيبنا بعد تأملنا للأشياء المتهاوية فى زماننا، ولأن السايكلوب بعينه الواحدة يتربص بنا، وللأسف ليس هناك أوديسيوس يفقأ له عينه، ويتركه يتخبط فى ظلامه يأكل نفسه ويصرخ "لا أحد فعل بى ذلك".
 
"السايكلوب" رسالة معبرة عن واقع ملتبس بالفن، وهى طريقة إبراهيم عبد المجيد الأثيرة فى قول ما يريد، لن تتوقف عن القراءة مصحوبا بالمتعة وباحثا عن الأمل وهاربا من الوحش.
 






مشاركة



الموضوعات المتعلقة

مكتبات المدارس.. حلم

الخميس، 25 يوليو 2019 12:42 م

اللاعقلانية تحكم العالم

الإثنين، 22 يوليو 2019 10:00 ص

سقنن رع.. سيد شهداء الفراعنة

الأحد، 21 يوليو 2019 11:16 ص



الرجوع الى أعلى الصفحة