لن تمل من قراءة السيرة الذاتية لـ تشارلز سميك "ذبابة في الحساء" التى ترجمتها الشاعرة إيمان مرسال، وصدرت عن دار نشر الكتب خان، والعودة إليها، هذا ما حدث معي فقد وجدتنى أعيد قراءة المقدمة التى لا تموت أبدا المشحونة بالحديث المؤلم عن شعور اللاجئ، وقد كان تشارلز سميك هاربا من جحيم الشيوعية فى يوغسلافيا إلى باريس ومنها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، الكتاب كله يقول لك "لا أحد يحب اللاجئين".. لذا نقرأ معا جزءا مما جاء فى مقدمة الكتاب:
قصتى قصة قديمة وأصبحت الآن مألوفة. لقد تشرد كثير من الناس فى هذا القرن. أعدادهم مهولة ومصائرهم الفردية والجماعية متنوعة، سيكون مستحيلا أن أدعى تميز وضعى كضحية، أنا أو أى شخص آخر، إذا أردت الصدق.
خاصة أن ما حدث لى منذ خمسين سنة يحدث لآخرين اليوم. رواندا، البوسنة، أفغانستان، كوسوفو، والأكراد المهانون – بصورة لا تنتهى – وهكذا يستمر الحال.
قبل خمسين سنة كانت الفاشية والشيوعية، الآن هناك القومية والأصولية الدينية مما يجعل الحياة لا تطاق فى أماكن كثيرة. فى الآونة الأخيرة – على سبيل المثال – كنت أترجم قصائد من سراييفو لأنطولوجيا شعرية، واجه محرروها صعوبات كبيرة فى العثور على الشاعرة التى كتبتها.
لقد اختفت هى لم تكن مغمورة، كان لديها الكثير من الأصدقاء، لكن لا أحد يعرف ما حدث لها فى فوضى الحرب.
"مشردون" هو الاسم الذى أطلقوه علينا فى 1945، وهذا كان وضعنا بالفعل. تخيل أنك تجلس وتشاهد قنابل تسقط فى بعض الأفلام الوثائقية بالقديمة، أو جيوشا يحارب بعضها البعض، قرى ومدنا تتصاعد منها النيران والدخان، لا يخطر ببالك الناس المتكدسون فى الأقبية. لقد دفع السيد البرىء والسيدة البريئة وأسرتاهما ثمنا باهظا فى هذا القرن لمجرد وجودهم هناك.
"مدانون تاريخيا" - كما كان يحب الماركسيون أن يقولوا – ربما انتموا إلى طبقة خاطئة، جماعة عرقية خاطئة، دين خاطئ، إلى آخره. هم كانوا وما زالوا تذكيرا غير سار بكل أخطاء اليوتوبيات الفلسفية والقومية. لقد جاءوا بخرقهم البالية ومناظرهم التعسة ويأسهم، جاءوا فرادى وجماعات من الشرق.
هاربين من الشر بدون أية فكرة عما ينتظرهم. لم يكن لدى أحد فى أوروبا ما يسد رمقه، وهنا جاء اللاجئون المتضورون جوعا، مئات الآلاف منهم فى قطارات، مخيمات، وسجون، يغمسون خبزا يابسا فى حساء مائى، يبحثون عن قمل فى رؤوس أطفالهم، ويندبون، بمختلف اللغات، مصيرهم المروع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة