يستيقظ الأستاذ المساعد فى كلية "بيرلمان" للطب فى جامعة بنسلفانيا، الدكتور ديفيد فاجينباوم، كل صباح، ويتناول 3 أقراص دواء "مُنقذة" للحياة، وبعد التوجه إلى مكتبه المنزلى، يقضى فاجينباوم مدة 14 ساعة فى قيادة عشرات الباحثين والمتطوعين ليقوم بمراجعة منهجية لكل العقارات التى استخدمها الأطباء والباحثون حتى الآن لعلاج فيروس "كوفيد 19".
ويرأس فاجينباوم، الذى يبلغ من العمر 35 عاماً، مركز ومختبر عواصف سيتوكين وعلاجها فى كلية "بيرلمان" للطب، وقد كرس حياته لدراسة داء "كاسلمان"، وهى حالة نادرة كادت أن تودى بحياته، وعند مكافحته للمرض، وجد فاجينباوم دواء أنقذ حياته قبل 6 أعوام، وذلك عن طريق إنشاء طريقة تعاونية لتنظيم البحوث الطبية، وهو أمر يمكن تطبيقه على الآلاف من الأمراض البشرية.
ولكن، بعد رؤيته لكيفية قتل النوع ذاته من تفشى خلايا تأشير المناعة، والتى تدعى "عاصفة سيتوكين"، مرضى داء "كاسلمان" و"كوفيد 19" على حد سواء، تم تخصيص كل موارد مختبره تقريباً لمساعدة الأطباء فى مكافحة الجائحة الحالية، وذلك وفقًا لما نشرته شبكة "CNN" الإخبارية.
وخلال "عاصفة سيتوكين"، تبدأ الاستجابة المناعية المفرطة للجسم بمهاجمة خلاياه الخاصة بدلاً من الفيروس فقط، وعندما تحدث هذه الاستجابة الالتهابية لدى مرضى "كوفيد-19"، غالباً ما تكون السيتوكينات هى السبب وراء تلف الرئة الشديد، أو فشل الأعضاء، أو الجلطات الدموية، أو الالتهاب الرئوى الذى يتسبب بالوفاة.
وقال فاجينباوم: "أنا على قيد الحياة بسبب عقار أُعيد استخدامه"، والآن، أصبح استخدام الأدوية القديمة لمحاربة أعراض مشابهة يسببها فيروس جديد ضرورة عالمية، وراجع باحثون يعملون مع مختبره بيانات منشورة عن أكثر من 150 دواء استخدمه أطباء من جميع أنحاء العالم لعلاج 50 ألف مريض تقريباً شُخصوا بـ"كوفيد-19".
وجعل العلماء تحاليلهم مفتوحة للملأ فى قاعدة بيانات تُدعى "Covid-19 Registry of Off-label & New Agents"، أو "CORONA" باختصار، وبناءً على قاعدة بياناتهم، نشر الفريق، الذى يتكون من 13 شخصاً، أول مراجعة منهجية لعلاجات "كوفيد-19" فى مجلة "Infectious Diseases and Therapy" فى مايو.
وقال فاجينباوم: "إنه مُحبط لأننا جميعاً نرغب بدواء يصلح للجميع"، ولكن ذلك لا يحدث لأن فيروس كورونا يؤثر على الأشخاص بطرق أكثر تعقيداً، وكان أول شىء أساسى يجب أخذه بعين الاعتبار هو التنوع الكبير لتجارب مرضى "كوفيد-19"، بحسب ما قاله فاجينباوم.
ويصعب التركيز على علاج واحد، فقد تكون هناك اختلافات كبيرة فى توقيت إعطاء الدواء، وكيفية تأثير الفيروس على فرد معين، إضافة إلى المرحلة التى تطور إليها المرض، وقد يُحول أى تغيير فى هذه المتغيرات دواء مفيد إلى دواء ضعيف، ولكن، مع وجود أعداد كبيرة من المرضى، نتجت عن البيانات السريرية بعض الجوانب البارزة.
وعلى سبيل المثال، فى حال عانى المرضى من "عاصفة سيتوكين" أكثر شدة، فمن المرجح أنهم سيحتاجوا إلى الأدوية التى تستهدف قمع الجهاز المناعى، وأما الذين يعانون من "عواصف سيتوكين" أقل شدة، فسيستفيدون بشكل أكبر من عقارات تعزز جهاز المناعة.
ولدى مزيج مضادات الفيروس "لوبينافير"، و"ريتونافير" لعلاج "كوفيد-19" الرصيد الأكبر من الدراسات المنشورة إلى الآن، واعتباراً من منتصف يونيو، نظر الفريق إلى أبحاث تضمنت أكثر من 4500 مريض تتمحور حول استخدام العقارين مع بعضهما البعض.
وإلى جانب ذلك، أظهرت الكورتيكوستيرويدات علامات واعدة، إذ أنها ظهرت فى دراسات تضمنت 4 آلاف مرضى آخرين، ويشعر فاجينباوم بالسعادة بشكل خاص بشأن دراسة اُجريت فى المملكة المتحدة حول عقار "ديكساميثازون".
واحتلت الدراسة العناوين الإخبارية بفضل نتائجها التى أظهرت أن استخدام جرعة منخفضة لمدة 10 أيام قد يقلل من خطر الوفاة بمقدار الثلث بين المرضى بالمستشفيات الذين يحتاجون لاستخدام جهاز تنفس صناعى.
وفى جداول البيانات الخاصة بهم، كانت الأرقام المتعلقة بـ"ديكساميثازون" بمثابة منارة، وأشار فاجينباوم إلى أنه بنى قاعدة بيانات "CORONA" للمساعدة فى الكشف عن عقار مثل "ديكساميثازون"، وقال: "إنه دواء رخيص الثمن ومُعاد استخدامه، وهو موجود منذ 60 عاماً.. هذا ما يتمحور حوله كل هذا".