هناك واقع يفرض نفسه فى ليبيا والتدخل المصرى الواضح غيّر من خطط وتحركات لقوى متعددة وليس فقط لتركيا وتابعتها قطر. وأغلب المحللين الغربيين اعتبروا التدخل التركى بلا خطة واضحة، خاصة أنه تم رصد عمليات نقل مئات المرتزقة من سوريا إلى ليبيا، ومنهم أعضاء وقيادات فى التنظيمات الإرهابية الكبرى مثل داعش والقاعدة. وهو ما يمثل قفزة فى الفراغ من قبل أردوغان. لأنه تصور أن التدخل بالغزو يمكن أن يكرر إقامة بؤر إرهابية مثلما جرى فى سوريا، لكنه لم يضع باعتباره الموقف المصرى، لأن ليبيا على حدود مصر الغربية ومن الصعب أن تترك مصر الأمر حتى يصل للتهديد المباشر.
من هنا فإن المواقف الدولية والإقليمية ترى التدخل المصرى مشروعا، لحماية الأمن القومى، وأن مصر أعلنت رأيها بحسم فى الوقت المناسب، عندما أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسى خطوطا حمراء للأمن القومى المصرى لا يمكن تخطيها.
وما لم تعلن مصر موقفها الحاسم تجاه التطورات فى ليبيا والخطوط الحمراء ربما كان الغزو التركى تجاوز ووصل إلى مناطق تهدد الأمن القومى المصرى. الرئيس التركى رجب أردوغان حاول الإيحاء بأن القوى الدولية الكبرى لا تعارض تدخلاته، فى إشارة إلى الموقف الأمريكى والروسى والأوربى، وأن هناك تنسيقا آخر مع جهات دولية، بل إنه أرسل رسائل غير مباشرة لمصر بإمكانية اقتسام الثروات الليبية، وهو ما ردت عليه مصر بحسم أن ليبيا لشعبها ثم إن المواقف فى العلاقات الإقليمية والدولية تقوم على المصالح من جهة، وتقدير توازنات القوى، وبالطبع غير الموقف المصرى من حسابات هذه الأطراف.
وبالفعل أعلن الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى، جوزيب بوريل، ألا مصلحة للأوروبيين فى رؤية حلقة من القواعد العسكرية التركية قبالة السواحل الإيطالية وهذا ما سيحدث إذا لم نفعل شيئا. وأضاف فى مقابلة مع «دير شبيجل» الألمانية الثلاثاء الماضى: «يجب الحديث عن الانتهاكات التركية للقانون الدولى وعمليات الحفر قبالة سواحل قبرص، مسألة الغاز ودور تركيا فى كل من سوريا وليبيا» ويرى بوريل أن «أنقرة تتسبب فى مشاكل كثيرة للاتحاد الأوربى» وأن التعامل مع تركيا أكبر تحد أمام السياسة الخارجية الأوروبية».
فى اتجاه آخر أعلن وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف أنه لا بديل لحل الوضع فى ليبيا إلا المفاوضات السياسية، بمشاركة جميع الأطراف الليبية حسب قرارات مؤتمر برلين المنصوص عليها فى قرار مجلس الأمن 2510. فيما يرى ألكسندر خرامتشيخين، المحلل العسكرى الروسى فى «فوينيه أوبزرينيه»، أن موقف مصر مشروع دوليا وإقليميا، ويقول: لن يكون هناك من يعترض على مثل هذا التطور للأحداث. من بين الدول «العظمى» الخمس (الدائمة العضوية فى مجلس الأمن الدولى)، روسيا وفرنسا ستدعمان المصريين بشكل لا لبس فيه، وستبقى الصين على الأقل صامتة. فيما لا يزال موقف الولايات المتحدة وبريطانيا غير واضح، ومن المرجح أن تلتزما الحياد. وهناك موقف عربى باستثناء قطر داعم للموقف المصرى.
هنا يمكن تفهم أن الموقف الدولى والإقليمى تجاه تدخل مصر، فيما يشير إلى تحول كبير، وأيضا ينفى ويفند ترويجا تركيا بموقف روسى متفاهم من أنقرة، بينما من يتابع الأمر يكتشف أن الموقف التركى الروسى لم يخل من شد وجذب، وصدام وتفاهمات تتعلق بمصالح تتقارب وتتعارض، وعندما يتعلق الأمر بوجود طرف مثل مصر فإن الحسابات الدولية والإقليمية تختلف، بحكم تقاطعات وعلاقات وتشابكات، لا تبدو أنها تصب لصالح مغامرات أردوغان فى ليبيا.