عزيزى القارئ بأصبح عليك او بأمسى عليك على حسب وقت قراءتك لهذه النكتة الجديدة من نكت اللغة العربية
تسألنى وتقول: نكتة؟!..
ـ عزيزى القارئ.. النكتة بمعنى الطرفة أو الشىء المدهش الجميل، وبالتالى فهو معنى واسع يظلل كل ما هو مدهش، وأنا اليوم سأدهشك بلغتك الوطنية.. قولى قول.
ـ قول
اسمع يا سيدى.. من خصائص اللغة العربية ـ أيضا من أسباب قوتها ـ ما سماه علماؤها "مناسبة اللفظ للمعنى".
أى ـ ببساطة ـ أن الكلمات فى اللغة الوطنية تتجانس والمعانى الدالة عليها، فالمصادر الرُّباعية المضعَّفة ـ مثلا ـ تدل على التكرار كزَّعْزَعَ، ودحرج، وصيغة "تفعّل" دالة على المطاوعة، كما نرى كلمة "جنود" مأخوذة من الأصل "جند" الذى يعنى الأرض الصلبة كثيرة الحجارة، فكلا اللفظين يعبران عن "مانعين" يتسمان بالخشونة والكثرة، هذا الارتباط العبقرى بين الكلمات ودوالها غير موجود فى أى لغة أخرى ولا عبرة بالاستثناءات.
لكن ما رأيك فى ابتكار جديد أسميته أنا "مناسبة اللفظ للمشهد"؟
تقول لى: حاسس إنك هاتفتى فى اللغة.. واللغة لا تحتمل الفتوى
ـ عزيزى.. إنها ليست فتوى.. لكن نظرة تأملية منطقية ستوافقنى عليها
خد عندك كلمة "ذباب"..
أسألك: ما معناها؟.. وأجيب أنا بأنها كلمة منحوتة/ مركبة من كلمتين.. الأولى هى "ذُب" أى أبعد.. والثانية هى "آب" بمعنى عاد.. وبالتالى فمعنى "ذباب" هو "أبعد.. عاد" أو الحشرة التى كلما أبعدتها رجعت مرة أخرى،
فهى "ذب اب أو ذباب"
اندهشت؟
لا.. لا تندهش الآن.. فما زال فى جعبة هذا التركيب المزيد
هل لاحظت مثلا أن الفعل الأول "ذب" مبنى للمجهول في إشارة لشيوع صدوره من الكل فصاحبه غير معين، بينما الفعل "آب" مبنى للمعلوم لأن فاعلها معين "الذباب".
والأهم من هذا وذاك أن التركيب يبنى "دائرية الحركة"
فانتهاء الكلمة بالعودة "آب" تعنى دفعه مجددا "ذب" ليعود مجددا "آب" فـ"ذب" فـ"آب"، وهكذا ذب آب.. ذب أب..
بخلاف لو عكسنا وقلنا "آبذُب"، فالتركيب "آبذب" انتهى بحركة الدفع والإبعاد وهى حركة "خطية" فى اتجاه واحد.. ذلك أن الذهاب لا يعنى ـ بالضرورة ـ العودة.
::
وبالتالى فهذا التركيب "الدائرى" للاسم، تجاوز "مناسبة اللفظ للمعنى" لـ"مناسبة اللفظ للمشهد"، وعبّر عن "رخامة" هذه الحشرة اللحوحة.
اندهشت الآن؟
كنت متأكد