لا يختلف أحد على أن العاصمة الإدارية الجديدة تعد أحد أهم المشروعات التى أسستها الدولة المصرية خلال الأعوام الماضية، ويمثل حلم جديد نحو التنمية والعمران والتخلص من الزحام والمناطق المتكدسة، وبداية جديدة للتخطيط للمستقبل بصورة علمية، تعتمد على رؤية طموحة، بعيدا عن منطق العمل يوم بيوم أو العلاج المسكن، الذى كان يتم الاعتماد عليه فى الفترة التى سبقت 2014، فالدولة تخطو بثقة نحو الإصلاح الحقيقى والمواجهة الفاعلة، وغزو المشكلات والقضايا الكبيرة، التي لم يكن يقترب منها أحد.
وعلى الرغم من أهمية مشروع العاصمة الإدارية الجديدة وقيمته التنموية الكبيرة، إلا أن بعض الشركات العقارية، ومن يعملون لصالحها من مكاتب دعائية وإعلانية يفسدون الجهود التى تتم فى هذا المشروع العملاق، من خلال الترويج بصورة خاطئة لما يتم على أرض الواقع، بالإضافة إلى الأسعار المبالغ فيها بصورة غير طبيعية للوحدات السكنية والإدارية، بما يحد من تعمير وتنمية هذه العاصمة الجديدة.
ما ذكرته فى السطور السابقة ليس مجرد رؤية أو تنظير دون معرفة ما يدور فى الواقع، بل نتاج لتجربة عملية، تعرضت إليها من خلال سماسرة المكاتب الدعائية التى تعمل مع الشركات العقارية فى العاصمة الإدارية، ومفترض أنها تتولى تسويق مشروعاتها، فقد هاتفنى أحدهم ليقدم عرضا حول الشقق المتاحة هناك، وبدأ يعدد فى المزايا التى يمكن أن أحصل عليها حال دفع ثمن الشقة كاش.
الحقيقة لم أتردد فى سؤال مندوب الشركة عن سعر المتر، ليخبرنى أنه فى حدود من 8 إلى 10 آلاف جنيه، وسوف يتم استلام الشقة على "الطوب الأحمر" بمعنى أن كل متر سيتكلف مالا يقل عن 1500 جنيه إضافية تقريبا، إلى جانب وديعة صيانة 10% من القيمة الإجمالية للوحدة وهذا رقم مبالغ فيه جدا، فلو أن ثمن الشقة مليون جنيه سوف تدفع وديعة صيانة 100 ألف، في حين أنها لا تزيد في مشروعات الدولة عن 5%، بما يؤكد أن المستهلك أمام عملية استغلال واضحة من جانب الشركات العقارية التى تعمل فى العاصمة الإدارية الجديدة، سيؤدى هذا الاستغلال في النهاية إلى حالة من الركود الكامل فى أسواق العقارات، ويؤثر بصورة مباشرة على حجم الأموال الضخمة الموجودة فى هذا القطاع.
الأمر لم يتوقف عند هذه التفاصيل، بل أخبرنى مندوب الشركة أن العميل إذا دفع كاش سوف يتسلم الوحدة فى عام 2024، أى بعد 4 سنوات من دفع كامل مستحقاتها، وهذا أمر يدعو للعجب، فلما يدفع المستهلك أمواله ومدخراته كاش ليحصل على الشقة بعد أربع سنوات، وهل خصومات 20 أو حتى 30% على إجمالي السعر، ستعوض كل هذه الفترة، فبطريقة بسيطة لو أودع هذه الأموال فى بنك سيحصل على فائد 15% سنويا أى ما يعادل 60% خلال أربع سنوات، بما يؤكد أن يدخل في تجارة خاسرة، بالإضافة إلى أنه كما يقول المصريون " يشترى سمك في ميه" فلا يضمن إن كانت هذه الشركات ستسلمه خلال 4 سنوات أم لا ؟ وما الضمانة أنها تستمر فى نشاطها، فقد توظف أمواله وتستفيد بفوائدها ثم تقدمها له بعد السنوات الأربع كما هي إذا تململ أو تقدم بشكوى، ليخرج فى النهاية صفر اليدين، وهذا سيناريو يتكرر يوميا مع بعض الشركات المجهولة.
النداء إلى الحكومة وأجهزة الدولة بضرورة التدخل لضبط أداء الشركات والرقابة عليه بصورة تحمى المواطن من عمليات النصب، إلى جانب التوسع فى عدد الوحدات التى تبنيها الدولة بالعاصمة الإدارية باعتبارها "مضمونة" ويتم تسليمها وفق إجراءات وضوابط محددة ومعلنة سلفا وبعقود واضحة وقانونية، وكذلك يجب أن يتنبه المواطن لخطورة ما يتم الترويج له من إعلانات وهمية من جانب شركات عقارية نشاطها أقرب لتوظيف الأموال منه إلى البناء والتعمير والعمل الجاد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة