لم يكن كورونا مجرد فيروس غامض، يصيب البشر مثل الأوبئة التى ظهرت عبر التاريخ، لكن هذا المخلوق غير المرئى حبس مئات الملايين من البشر فى منازلهم لشهور، وغيّر من خرائط السفر والحياة الاجتماعية، بل إنه أصبح أحد عوامل التأثير السياسى، لدرجة أن مراقبين اعتبروه - ومازالوا - فيروسا سياسيا.
عندما بدأ الحديث عن «كوفيد - 19»، بدا الأمر كأنه امتداد لفيروسات سابقة مثل إنفلونزا الطيور والخنازير، أو سارس وميرس أو كورونا القديم، لكن الفيروس أحدث انقلابات علمية وطبية، وسياسية فى العالم، ووضع البشر أمام مخاوف غير مسبوقة، واضطرت دول العالم لإغلاق حدودها، واتخاذ إجراءات احترازية غير مسبوقة، وتعطلت حركة الطيران والسياحة، فضلا عن صدمات أصابت المنظومات الطبية والعلمية بشلل.
وأعلنت جهات طبية وعلمية عن تجارب لإنتاج لقاحات مضادة لكورنا، لكنها ظلت مجرد إعلانات دعائية، بل إنها لم تخلُ من مسحة سياسية، تعكس صراعات بين قوى مختلفة روسية وصينية، أوروبية وأمريكية.
فى الولايات المتحدة الأمريكية، تحول علاج ولقاح كورونا إلى جزء من الصراع السياسى على كرسى الرئاسة، فى الطريق الى البيت الأبيض، بين المرشحَيْن: «الديمقراطى جو بايدن، والجمهورى دونالد ترامب»، وتصدر ملف لقاح كورونا السباق السياسى فى واشنطن، وبدا فيروس كورونا كأنه ورقة ضغط للديموقراطيين، الذين كانوا يتراجعون أمام الجمهوريين فى استطلاعات الرأى، لكن الفيروس وتداعياته واتساع رقعة الإصابات فى الولايات المتحدة قدمت خدمة للديموقراطيين، الذين حشدوا إعلامهم للإلحاح فى تأكيد فشل ترامب بمواجهة الفيروس، وأعلن الديموقراطيون نظرية «لو»، وقالوا إن الديموقراطيين «لو كانوا فى السلطة» ما وصلت الإصابات لهذا الرقم، ويرد «ترامب» على ذلك، بأن الديموقراطيين فاشلون، يحاولون اللعب على فيروس اجتاح العالم كله.
ووصل الأمر إلى أن الديموقراطيين يراهنون على تأخر اللقاح والدواء، حتى يمكنهم كسب المزيد من الأصوات، ولو على حساب المواطنين والوفيات، بينما يؤكد الرئيس الأمريكى أن اللقاح سيكون موجودا فى «غضون أسابيع» وسيصبح متوافرا لملايين الأمريكيين منتصف أكتوبر المقبل، بينما يقول مدير مركز مكافحة الأوبئة روبرت ريدفلد أمام لجنة فى الكونجرس، إن اللقاح لن يكون متاحا قبل بدايات العام المقبل، وهو ما يعنى المزيد من الخسارة لـ«ترامب» فى سباق الانتخابات، ولهذا عقد «ترامب» مؤتمرا صحفيا هاجم فيه حديث «ريدفلد» عن تأخر تسليم اللقاح.
وفى حالة ظهور اللقاح قبل نوفمبر، فإن هذا سيعد بمثابة تغيير للمعادلة السياسية، لكن التناقضات والاتهامات السياسية، وتسييس الأزمة دفع عددا من الأمريكيين لإعلان ترددهم فى تلقى اللقاح حال توافره، وكشف استطلاع رأى لمؤسسة كايزز أن 54 % من الأمريكيين لن يأخذوا اللقاح قبل انتخابات نوفمبر، وقالت مديرة معهد الصحة الوطنى فرانسس كولينز إن الخلط بين «السياسة» و«العلم» خطر أدى لتردد الناس، وقال «بايدن» أمام مؤتمر انتخابى: «أثق باللقاحات وبالعلماء لكنى لا أثق بدونالد ترمب»، واتهم الجمهوريون المرشح الديمقراطى بتخويف المواطنين ونشر نظريات مؤامرة بشأن اللقاح، والوقوف وراء حملات التشكيك فى كفاءة اللقاح، كنوع من الكيد لـ«ترامب» والتقليل من فرصه الانتخابية حتى فى حالة ظهور اللقاح.
واللافت للنظر أن الحملات الدعائية تركت قضايا الاقتصاد والعلاقات الدولية والاجتماعية، وركزت حول كورونا، وأصبح اللقاح أحد الأصوات الحاسمة فى الانتخابات، وهو الذى يمكن أن يغير نتائج الصندوق.