على مدى عقدين وأكثر، ظلت قضية الطاقة هى رأس القضايا التى تشغل الساسة والدول فى العالم، وتنشغل الدول الكبرى بالمنافسة على الأسواق والإنتاج، كانت الطاقة هى المحرك للأحداث منذ السبعينيات من القرن العشرين، عندما برز البترول كسلاح في حرب أكتوبر، وارتفعت أسعار النفط لترتفع اقتصادات دول، تزامنا مع التوسع فى الإنتاج، وإن كان التطور التقني والتكنولوجي هو الآخر ساهم فى تأكيد عصر الإنتاج الواسع والمنافسة على الأسواق.
ومع انتهاء الحرب الباردة وصعود النمور الآسيوية والصين كقوى صناعية اتخذت المنافسة أشكالا متعددة، وتصاعدت أهمية الطاقة خاصة النفط لتشغل مساحات من أسباب الصراع وشهد الشرق الأوسط عدة حروب فى الخليج العراق وإيران ثم حرب تحرير الكويت، ثم غزو العراق، والتي لعبت فيها الطاقة دورا مهما.
وفي نفس الوقت احتل الغاز مكانا مهما في التحولات العالمية باعتباره طاقة أقل تلويثا وبسبب الغاز شهدت المنطقة اضطرابات لم تكن بعيدة عن الطاقة وخطوط الغاز، في سوريا وليبيا، ولم تكن الاضطرابات التي شهدتها المنطقة وظهور وتحركات داعش وإعادة التنظيمات الإرهابية، على خلفية التحولات السياسية بعيدة عن حروب الطاقة وخطوط الإمداد.
بل لعب تنظيم داعش دورا في سرقة وبيع النفط اثناء سيطرته على أجزاء من سوريا والعراق، قبل أن يتعرض التنظيم لهزيمة.
لم تكن تحركات داعش بعيدة عن قوى إقليمية ودولية ضمن محاولات انتزاع النفوذ في مناطق وجود ومرور الطاقة.
كما أن التحركات والتقاطعات الجيوسياسية التي تجرى في الإقليم والمتوسط، ترتبط بالطاقة في ظل اتجاه كل دولة إلى بناء قدراتها والاتجاه نحو التنمية.
قبل ظهور جائحة كورنا كانت المنافسة التجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة، والصين من جهة أخرى ظاهرة، ضاعف ظهور الفيروس من تأكيدها، حيث تبرز الطاقة كأحد أهم سياقات التحرك تجاه التوسع الصناعي والتجاري على كل الأصعدة، ومع بعض الاختلافات لا تزال أوروبا والولايات المتحدة تشغلان جبهة منافسة للصين وتقف روسيا على الخطوط المتقاطعة بني طرق الطاقة والمنافسة.
ومن خلال هذا المنظور يمكن رؤية التحركات المصرية على مدى السنوات الأخيرة، حيث تحرص مصر على بناء قدراتها الصناعية والتنموية من خلال رسم سياسة لتأمين الطاقة، بدأت بإعادة بناء محطات الكهرباء العمالقة التي عالجت النقص في الكهرباء مع فائض للتصدير، مع تكثيف الاستكشافات في البترول والغاز، فضال عن تحويل مصر إلى مركز لإسالة وتصدير الغاز في الإقليم.
ومثل حقل "ظهر" اتفاقات الطاقة المرنة، يضاف إلى ذلك عملية تأمين الطاقة من مصادر متعددة، وبجانب البترول والغاز تأتى محطات الطاقة المتجددة ضمن أكثر المشروعات التي توفر طاقة نظيفة وبتكلفة منخفضة مقارنة بالعائد، وقد وجه الرئيس السيسى مبكرا إلى هذا المجال.
ومن بين المشروعات الكبرى في مجالات الطاقة المتجددة تأتى الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وعلى رأس مشروعات الطاقة الشمسية مشروع بنبان بأسوان، أحد أكرب محطات الطاقة الشمسية، وجرى إطلاقها في ديسمبر 2019. ويصل إنتاجها تقريبا إلى ما يوازى نصف إنتاج السد العالى، وهى طاقة نظيفة وآمنة بشكل كبري، وساهمت فى رفع إنتاج البلاد من الطاقة الشمسية بنسبة 306 %خلال عام 2020/2019، وحصل على جائزة أفضل مشروعات البنك الدولى تميزا على مستوى العالم.
وأيضا محطة طاقة الرياح بالزعفرانة، وأقامت مصر مصنعا لريش محطات توليد طاقة الرياح، لتصبح منتجا وموردا رئيسيا لأفريقيا والمنطقة العربية.
مع مساع لتوطين صناعة محطات الطاقة الشمسية الكبيرة والصغيرة، والتى فى حال توفرها بأسعار مناسبة تشجع المواطنين على تنفيذها لتوفير تكاليف كثرية كما ينتج وفرا فى الكهرباء يمكن تصديره مع خفض استهلاك الكهرباء بنسب تتراوح بين 20- 30 %على الأقل، خاصة أن مصر تحظى بسطوع الشمس طوال أشهر العام.
قطعت مصر بالفعل مساحة فى إنتاج ألواح وأجهزة الطاقة الشمسية، وانخفضت أسعارها نسبيا وفى حال التوسع فى إنتاجها يمكن أن تمثل إضافة مهمة وتحقق وفرا كبريا فضال عن كونها سهلة وال تتطلب أكثر من مساحة على الأسطح أو في الفراغات المشمسة.
وارتفع إنتاج مصر من الطاقة المتجددة بأكثر من 22 % على أساس سنوى خلال العام الماضي 2021/2020 ،ليصل إلى 5.4 ألف ميجاوات ساعة، وفق هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة فى أغسطس الماضي، وقال مسؤولون بالهيئة إن إجمالى قدرات الطاقة الجديدة والمتجددة يبلغ نحو 6 الآف ميجاوات.
وهى مساع بدأتها مصر مبكرا، وحرص الرئيس السيسى على أن تستثمر الدولة المصرية في ثروة الشمس والهواء