العمل العام والسياسى والحقوقى يقوم على طرفين، الدولة والمؤسسات من جهة، والأفراد والتيارات والتجمعات من جهة ثانية، ولدى كل طرف وجهة نظر تستند إلى رؤيته ومصالحه، وأفضل الطرق وأقصرها لعمل عام ناجح، وجود سياق من الحوار والتفاعل بين طرفى المعادلة. قلنا هذا عند إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، بأن أفضل طريق هو الحوار بلا شروط، والحوار بصراحة ومن دون لف أو دوران أو إخفاء للنوايا فى أغلفة كلام كبير، وإذا كانت بعض منظمات المجتمع المدنى تطالب بالشفافية والوضوح، فإن نفس هذه المنظمات مطالبة بنفس الشفافية والوضوح فى تحديد عملها ومصادر تمويلها، على أن تكون مستعدة للإفصاح عن جهات ومصادر التمويل، مقابل حرية العمل طبقا للقانون.
ملف حقوق الإنسان واحد من أكثر الملفات دقة وتعقيدا، ويتم توظيفه أحيانا لأهداف سياسية، ومصر ترى أن مفهوم حقوق الإنسان يفترض التعامل معه بمفهوم شامل، حسبما هو وارد فى مواثيق حقوق الإنسان الدولية، حق الحياة وحريات التعبير والتنقل بجانب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وأن تجاهل خطوات الدولة فى إنهاء العشوائيات وطرح مبادرات للسكن الكريم والصحة والتعليم، والتركيز على نقطة واحدة أو نفى أى جهد تم بذله، يعنى وجود تربص وتسييس لموضوع الحقوق، وهو أمر حاصل بالفعل، من منظمات وجهات تدعم المنظمات الإرهابية وتتجاهل جرائم الإرهاب، وتعتبر الإرهابيين معارضين أو مسلحين، وهو خلط يأتى من ارتباط تمويل هذه المنظمات بجهات متورطة فى تمويل الإرهاب، أضرت بقضية حقوق الإنسان، وأفقدتها الكثير من قوتها.
حقوق الإنسان ملف مهم، ويحتاج إلى تنظيم يتيح لمن يريد العمل فى إطار القانون، وفى الوقت نفسه، فإن المنظمات الأهلية ليست أحزابا سياسية، ولا يفترض بها أن تمارس أدوار تلعبها الأحزاب، وهو مبدأ لم يصمد فى عمل بعض المنظمات والتجمعات، التى تفتقد الحياد وتمارس أدوارا منحازة، وعلى هؤلاء مراجعة مواقفهم والعودة إلى عمل حقوقى أو الاتجاه إلى العمل السياسى، من خلال الأحزاب السياسية، لأنهم يضرون بالقضية السياسية والحقوقية، وهى أمور يدركها حقوقيون قدموا أدوارا حقيقية، وبذلوا جهدا فى العمل الحقوقى، والعمل الأهلى، مقابل آخرين وظفوا القضية للربح وتحويل العمل العام إلى بيزنيس يهدف إلى تربح الأفراد.
عند إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، تمسك بعض محترفى العمل الحقوقى بآراء سابقة أو معلبة، اعتبرت الأمر مجرد دعاية، وعندما تم إلغاء مد الطوارئ، وتحسين أحوال مؤسسات العقاب والاحتجاز، ظل هؤلاء يقدمون رؤية سابقة وآراء جاهزة.
بعد قرار إلغاء تمديد الطوارئ، بدا الأمر مفاجأة لمن راهنوا على أن الاستراتيجية الوطنية مجرد دعاية، رغم أن أى مراقب يرى أن قرار إلغاء مد الطوارئ تعبير عن استقرار وترجمة لاستراتيجية تفتح الباب للحوار، وتمهد لخطوات أخرى فى رفع قيود استثنائية كانت ضرورة لمواجهة إرهاب وتنظيمات عابرة، مارست أقصى درجات العنف والدموية، وهددت المجتمع وقتلت المدنيين والأبرياء والمصلين.
ولما تراجعت التهديدات، كانت خطوة إلغاء مد الطوارئ، لكن قطاعا من أصحاب الآراء المعلبة والجاهزة ظلوا يطرحون أسئلة تكشف عن مفاجآتهم، «ماذا ولماذا وكيف ولكن»، وهى أسئلة تبتعد عن الموضوع، وتعنى أنهم غير جادين فى التعامل، وليس لدى بعضهم استعداد للانخراط فى مناقشة بلا شروط، لتحقيق خطوات للأمام فى ملفات تشهد بالفعل تحركا من الدولة يؤكد جدية الطرح.
لقد خسر الذين راهنوا على الخارج، ومن لا زالوا يعتقدون أن أجندة مصر لحقوق الإنسان نابعة من رغبة فى إرضاء الخارج، بالرغم من أنهم استمعوا وشاهدوا تأكيدات الدولة على أن كل قرار نابع من واقع اجتماعى واقتصادى وسياسى لمصر، وأن كل دولة لها ظروفها التى تحكم قرارها، وأن الرهان على الخارج خاسر دائما، والأفضل أن يبدأ الجادون فى الملف الحقوقى حوارا، ليؤكدوا جديتهم وجاهزيتهم للتعامل مع قانون المنظمات الأهلية، وهو قانون يحظى بشبه اتفاق على أنه أفضل الصيغ، وأنه صيغة مصرية، تتطور بحكم ما يجرى على الأرض، بدلا من البقاء فى إطار جامد، وموقف يدور حول نفسه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة