أصدرت الدائرة المدنية "د" – بمحكمة النقض – حكماَ يهم ملايين المتعاملين بالعقود، رسخت فيه لمبدأ قضائياَ تصدت فيه لأزمة تفسير العقود التي تؤدى للعديد من المشكلات نتيجة التفسيرات الخاطئة، قالت فيه: "تفسير القاضى لمضمون العقد يجب ألا يخرج عن العبارات الواضحة احتراماً لمبدأ سلطان الإرادة وتحقيقاً لاستقرار المعاملات".
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 2206 لسنة 82 قضائية، برئاسة المستشار مجدى مصطفى، وعضوية المستشارين وائل رفاعى، وعصام توفيق، ورفعت يبه، وأحمد الفقى.
الوقائع.. نزاع بين طرفين لفسخ عقد البيع لهذا السبب
الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن المطعون ضده أقام على الطاعن الدعوى رقم 8395 لسنة 2010 مدنى شمال القاهرة الابتدائية، بطلب الحكم بفسخ عقد البيع المؤرخ 29 أبريل 2001 والتسليم، وقال بياناَ لذلك: أنه باع بموجب ذلك العقد إلى الطاعن حصة مقدراها 6 اسهم مشاعاَ في قطعة الأرض من العقار المبين بالصحيفة لقاء ثمن مقداره 104 ألاف و500 جنيه، سُدد بالكامل في مجلس العقد.
وإذ رغب الطاعن وآخرون في إقامة عمارة سكنية عليها، وتخصيص شقة لكل منهم، فتم الاتفاق على أن يخصص له وحدة سكنية بالدور السادس نظير مبلغ مقداره 104 ألاف و500 جنيه يعادل قيمة تكاليف إقامتها، وقد ورد بالبند العاشر من العقد المشار إليه أنه في حالة التأخير في سداد أقساط التخصيص تحل باقى الأقساط فوراَ، ويفسخ العقد من تلقاء نفسه دون حاجة إلى تنبيه أو إنذار أو إعذار، وإذ تقاعس الطاعن على سداد ذلك المبلغ، فقد أقام الدعوى، والمحكمة حكمت بالطلبات.
محكمة أول درجة تقضى بفسخ العقد نتيجة التأخير في سداد الأقساط.. وثانى درجة تؤيد الحكم
وفى تلك الأثناء – استأنف الطاعن ذلك الحكم لإلغائه، وبتاريخ 20 ديسمبر 2011 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف، ثم طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الى بقبول الطعن شكلاَ وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه نقضاَ جزئياَ فيما قضى به من فسخ العقد بخصوص شراء الطاعن حصة في الأرض المقام عليها عقار التداعى، وإذ عرض الطعن على المحكمة، في غرفة مشورة، فقررت استبعاد السبب الرابع، وحددت جلسة لنظر باقى الأسباب، وفيها التزمت النيابة رأيها.
الطاعن يستـأنف لإلغاء الحكم لهذا السبب
واستندت مذكرة الطعن على عدة أسباب لإلغاء الحكم أبرزها الخطأ في تطبيق القانون حيث ذكرت أن الطاعن ينعى بالأسباب من الأول حتى الثالث مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ في تطبيقه والفساد في الاستدلال، وفى وبيانها يقول: إن العقد سند الدعوى هو عقد تخصيص وحدة سكنية في عقار قائم بالفعل وليس أرض فضاء، وأنه خالص الثمن، حيث خلا الجزء الثاني من ذلك العقد والمعنون "الوحدة المخصصة" من أي مستحقات عليه أو أقساط متأخرة أو مواعيد سداد، إلا أن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه اخطأ في تفسيره، إذ كيفه على أنه عقد بيع قطعة أرض مقدراها 6 أسهم تعادل 165 م مشاغاَ في كامل مساحة العقار البالغة 42، 763 م، وانتهى من ذلك إلى أن طلبات المطعون ضده هي فسخ ذلك العقد الذى يتكون من شقين لكل منهما بنود منفردة بالمخالفة للثابت بالأوراق، بما يعيبه، ويستوجب نقضه.
النقض تقرر: "العقد شريعة المتعاقدين"
المحكمة في حيثيات الحكم قالت أن هذا النعي في محله، ذلك أن المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن النص في الفقرة الأولى من المادة 147 من القانون المدني على أن: "العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين"، وفى المادة 148 منه على أنه: "يجب تنفيذ العقد طبقا لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية"، وفى المادة 150 من القانون ذاته على أنه: "إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها عن طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين أما إذا كان هناك محل لتفسير العقد، فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف على المعنى الحرفي للألفاظ مع الاستهداء في ذلك بطريقة التعامل، وبما ينبغي من أمانة وثقة بين المتعاقدين، وفقا للعرف الجارى في المعاملات".
تفسير القاضي لمضمون العقد يجب ألا يخرج عن العبارات الواضحة الصريحة
وبحسب "المحكمة": يدل على أن مبدأ سلطان الإرادة مازال يسود الفكر القانوني، ولازم ذلك أن ما اتفق عليه المتعاقدان متى وقع صحيحاَ لا يخالف النظام العام أو الأداب أصبح ملزماَ للطرفين، فلا يجوز نقض العقد أو تعديله من جهة أي من الطرفين، إذ أن العقد وليد إرادتين وما تعقده أرادتان لا تحله إرادة واحدة، وهذا هو الأصل، كما يمتنع ذلك على القاضي – أيضاَ – لأنه لا يتولى إنشاء العقود عن عاقديها وإنما يقتصر عمله على تفسير مضمونها بالتزام عبارات العقد الواضحة وعدم الخروج عنها بحسبانها تعبيراَ صادقاَ عن الإرادة المشتركة للمتعاقدين، وذلك احتراما لمبدأ سلطان الإرادة وتحقيقاَ لاستقرار المعاملات.
وتضيف "المحكمة": كما وأنه من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أنه ولئن كان لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تفسير صيغ العقود بما تراه أوفى بمقصود العاقدين منها، إلا أن ذلك مشروط بألا تخرج في تفسيرها عما تحتمله عبارات العقد والمناط في ذلك بوضوح الإرادة لا وضوح الألفاظ وما عناه العاقدون منها بالتعرف على حقيقة مرماهم دون الاعتداد بما أطلقوه عليها من أوصاف وما ضمنوها من عبارات متى تبين أن هذه الأوصاف والعبارات تخالف الحقيقة، إلا أن شرط ذلك أن تقيم قضاءها على أسباب سائغة.
والحيثيات تؤكد: ذلك احتراماً لمبدأ سلطان الإرادة وتحقيقاً لاستقرار المعاملات
لما كان ذلك – وكان البين من مطالعة العقد سند الدعوى والمؤرخ 29 أبريل 2001 أنه قد أبرم فيما بين طرفى التداعى وباع بموجبه المطعون ضده للطاعن 6 أسهم مشاعاَ في كامل مسطح الأرض المبنية، وأن ذلك لقاء ثمن مقدراه 104500 جنيه، وتأشر على البند الخاص ببيان كيفية السداد على أقساط بأن الثمن قد سُدد كاملاَ، وخصص لهذا الجزء القسم الأول من العقد، ثم أكمل الطرفان التعاقد في القسم الثانى المعنون "الوحدة المخصصة".
وتابع: ببيان أن للطاعن 6 أسهم مشاعاَ في أرض التداعى، وأنه تم تخصيص وحدة للطاعن بالطابق السادس والمبينة بالبند الأول من ذلك القسم لقاء مبلغ 104500 جنيه، ولم يتضمن بيان ما إذا كان هذا المبلغ مغايراَ للمبلغ المتفق عليه بالقسم الأول وإن كان قد سُدد وكيفية سداده، إلا أن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قضى بفسخ العقد على سند من أن الطاعن تخلف عن سداد قيمة تكلفة الوحدة السكنية المباعة له دون التعرض لبيان تفسير العقد في خصوص بند الثمن، إذ أن العرف الجارى في تلك المعاملات ألا يتم تجزئة الفقه وتحديد مبلغ للحصة الشائعة في الأرض ومبلغ مماثل أخر يعادل قيمة الوحدة ذاتها، بما يعيب الحكم المطعون فيه بالقصور في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون، بما يوجب نقضه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة