"بيوصلك كام ظرف من البنك؟"، كان عنواناً لمقال منشور مطلع العام الجارى، تعرضت فيه لمشكلة الأوراق والأظرف، متعددة الأنواع والأشكال، التى ترسلها البنوك لعملائها بصورة دورية، من أجل إطلاعهم على حركة الحسابات، و مديونية القروض، وبطاقة الائتمان، وشهادات الادخار، إلا أن الملفت والجديد أن الشركات التي تتعاقد معها البنوك على إرسال هذه الأظرف باتت تلقيها في مداخل العمارات بمنطق " اللي عاوز الظرف يدور عليه"!.
بالأمس القريب فوجئت وأنا على سلم العمارة بأوراق مبعثرة في مدخل الباب الرئيسي، ومن لونها الأخضر الداكن عرفت أنها تخص أحد البنوك، فهممت للإمساك بها، لأجد اسمي مدون عليها، ورقم الحساب، بعدما عبث أحدهم بالظرف وفتحه نيابة عني! وبالتأكيد أصابه شيءٌ من الذهول، خاصة أن الفيزا مديونة بمبلغ كبير، وتحتاج السداد العاجل قبل نهاية الشهر الجاري.
نعم هناك من يعبث بأوراق الغير بقصد أو بدون قصد، صغاراً كانوا أو كباراً، لكن النتيجة واحدة، ولا يمكن أن نرجعها فقط لغياب الأخلاق والتربية والضمير، واختراق الخصوصية، وانتهاك حق الغير، لكنها تعود في أساسها إلى موظف شركة الخدمات البريدية، الذي لم يحرص على أن يضع ظرف المديونية أمام شقتي، أو يدق جرس الباب ليعرف إن كان هناك أحد يتسلمه أم لا، لكنه اعتاد أن يلقي كومة من الأوراق في مدخل العقار مع نهاية كل شهر، دون أن يلقي بالا من سيفتحها ومن سيعبث بها.
البنوك ترفض الإفصاح عن حسابات عملائها وفق نصوص القانون، والأنظمة والقواعد المصرفية المتبعة عالمياً، إلا أنها في الوقت ذاته، تعهد لشركات خدمات بريدية تلقى بكل هذه الحسابات والأوراق في مداخل العمارات دون ضمانة تسليمها لصاحبها، مع العلم أنها تتحصل على رسوم وأموال نظير هذه الخدمة، وما دام العميل يدفع الرسوم، فلماذا لا يحصل على الخدمة المطلوبة بالجودة المطلوبة؟
العديد من البنوك بدأت إجراءات جديدة تتواكب مع العصر، تعتمد على إرسال نسخ إلكترونية من الحسابات والمديونيات للعميل، عبر البريد الإلكتروني، أو من خلال رسائل نصية على الهواتف الذكية، أو عبر خدمة الانترنت البنكية، التى يستطيع من خلالها العميل تنفيذ عشرات الإجراءات، إلا أن البعض مازال يرى الأظرف الورقية والمكاتبات وسيلة تتناسب مع القرن ال 21، والبعض الآخر يتخذ الإجراءات القانونية ذريعة لضمان استمرارها، فيقول أن العميل يجب إخباره كتابياً بكشوف الحسابات والأوراق الضرورية، وإن كان هذا الطرح قد تجاوزه الزمن، وحان الوقت لتغييره، إلا أن إرسال المستندات والأوراق كتابياً للعميل له شروط أيضاً، أتصور أن أهمها التأكد من إجراءات التسليم، وأنه تمكن بالفعل من الحصول عليها، وليس الموضوع أن نترك الأمر لموظف كسول، رفض صعود السلم وألقى الأوراق في مدخل العمارة.
البنك الذي تصلني أوراقه يحصل على 10 جنيهات شهرياً، مقابل خدمة إرسال كشوف الحساب والمديونيات، بواقع 120 جنيه سنوياً، وهذه رسوم جديدة فرضها خلال العام 2021، وقد كان الأمل أن تتحسن الخدمة، وتنجح الجنيهات العشر في الارتقاء بها، والخطاب البنكي يصل حتى باب شقتي أو أتسلمه شخصياً، بعد الاطلاع على بيانات الرقم القومي، لكن شيئا لم يحدث من كل هذا، وزاد الخدمة سوءًا تطفل الجيران وصبية السلم!
في شهر مايو الماضي أخبرني البنك بخدمة جديدة يمكن من خلالها تحويل كل الأوراق وكشوف الحسابات إلكترونياً، وبالفعل اتبعت الخطوات المطلوبة، لكن في النهاية لم أصل لشيء، ولم أنجح في الحصول على الخدمة، نتيجة تعقيد الإجراءات، التى ذكرتني بطلب الحصول على تأشيرة سفر لدولة أوروبية، فهل كل هذا التعقيد لصالح العميل؟!.. كان يمكن للبنك أن يقصر المسافات، ويجعل التحويل من النظام العادي إلى الإلكتروني عبر رسالة نصية قصيرة، بها مجموعة أحرف أو أرقام، أو مكالمة هاتفية لمدة 3 دقائق من البنك لبيان رغبة العميل من عدمه في الخدمة الجديدة، حتى يصبح التحول الإلكتروني داخل البنوك والشمول المالى إجراءات فعلية حقيقية تساهم في تقليل الوقت والجهد على كل الأطراف.
أتمنى أن تجد هذه الكلمات أذن صاغية، وأن تصل مقاصدها لكل مسئول، من أجل خدمة الناس أولاً وأخيراً، ومواجهة مشكلة قد يراها البعض بسيطة، ولا يعطيها اهتماماً كافياً، لكنها بالفعل قضية تتعلق بحماية بيانات العملاء، وسرية الحسابات، ولها أثر مجتمعي كبير، يتطلب التوعية بحقوق الجار، وحرمة العبث بأوراق الغير، وهذا أمر لو تعلمون عظيم.