مما لا شك فيه أن المجتمع الآمن المستقر هو مطلب الجميع، حيث إن الأمان هو مصدر بناء المجتمعات وتطورها، والإنسان منذ فجر ولادته تكون فطرته سوية ولا يعلم شيئا عن الإجرام أو الأذى، ولكن البيئة التي ينشأ فيها هي ما قد تؤثر فيه ويتأثر بها، تلك البيئة التي تغرس فيه سلوكيات جيدة وغير جيدة – سوية وغير سوية – ما تؤدى به بالانحراف عن الطريق المستقيم الذي خلقه الله تعالى عليه، فكل شخص يلجأ إلى ارتكاب الأفعال غير المقبولة هو إنسان غير سوي، وينتج عنه الكثير من المشاكل والمفاسد المجتمعية.
والجريمة في حقيقة الأمر يختلف مفهومها حسب المنظور المراد رؤيته منها، حيث هناك تعريف للجريمة من الناحية الاجتماعية وأخرى من الناحية النفسية وثالثة من الناحية القانونية، فالأولى عبارة عن أفعال تتعارض مع القواعد والأعراف والعادات الاجتماعية السائدة في المجتمع – كل مجتمع على حده – أما النفسية فهي أفعال تتنافى بشكل واضح مع الغرائز الإنسانية السوية من خلال محاولة إشباع الغرائز الشاذة التي قد تنتج لدى بعض الناس، ثم تأتى في المرتبة الثالثة الجريمة من الناحية القانونية وهى عبارة عن جميع الأفعال الخارجة عن القانون والمتفق على حُرمتها ويُعاقِب عليها.
لماذا وصلت المجتمعات الأوروبية والعربية لهذا الكم من الجرائم؟
ولكن الواقع والحقيقة يؤكدان أنه لا يمكن من ناحية التطبيق العملى الفصل بين هذه التعريفات للجريمة، وإنما تُجمع كلها معا، لأن المجتمع عبارة عن جميع هذه القواعد معاً، فتعريف الجريمة بمفهومه الشامل المكتمل هي حزمة من الأفعال الخارجة عن القانون، وتتنافى مع القيم والعادات الاجتماعية والغرائز الطبيعية السوية لدى الإنسان، ويسمى الإنسان المقترف لهذه الجرائم بـ"المجرم"، الذى تقع عليه عقوبات قانونية والنفور المجتمعي.
وللجريمة العديد من الأسباب منها أسباب عامة وأخرى خاصة – فالعامة تتمثل في الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بينما الخاصة تتمثل في انعدام الوازع الديني، والأسرة التي يعيش فيها الإنسان، وأسباب اقتصادية خاصة بالفرد، والكره والحقد، وحب السيطرة، وحب الفضول والمغامرة وتجربة الأمور غير الطبيعية.
إحصائيات عن علاقة التفكك الأسرى بالجريمة
وخلال عام 2011 أي منذ 10 سنوات تقريبا – أثبتت إحدى الإحصائيات – تحدثت عن علاقة الجريمة بالتفكك الأسرى، حيث قالت إن في فرنسا ثبت أن 40% من المجرمين العاديين، وأن 75% من المجرمين العائدين ينتمون إلى أسر مفككة، وأثبتت أن الجريمة في ألمانيا المجرمين ينتمون إلى أسر مفككة، وفي الولايات المتحدة دلت الإحصاءات إن 67% من المجرمين ينتمون إلى أسر مفككة، أما في مصر أثبتت أن 61,5% من الأحداث الجانحين كانت علاقاتهم مع آبائهم سيئة وأن 65% منهم كان الخلاف يسودهم في العلاقة بينهم وبين والديهم، ما يؤكد أن الجريمة في مصر أيضاَ معظمها نتيجة أسباب ناتجة عن التفكك الأسرى.
وفى هذا السياق – يقول الخبير القانوني والمحامى سامى البوادى - أن الجريمة هي ذلك الفعل الخارج عن الأخلاق والقوانين، وهي التصرف المنحرف الذي يستوجب العقاب والحساب؛ لأنّ فيها تعدٍّ على الأشخاص والممتلكات، والمجتمع بأكمله، وقد قسّم القانون لكلّ جريمة عقوبة تُناسب الفعل الذي قام به المجرم؛ فقسمت الجرائم إلى أنواع بناءً على الكثير من الاعتبارات، التي تتعلّق بمرتكب الفعل، وطبيعة الجريمة، وظروف المجرم، والدواعي التي دعته للقيام بجريمته، إذ تتنوّع الجرائم في صورها وأشكالها، بين جرائم النفس والمال والعرض والقيم وأمن البلاد وتتخذ أفعالا عدة، ومن أنواع وصور الجرائم نجد الجرائم الاجتماعية، وهي تلك الجرائم التي يتمّ ارتكابها لدوافع اجتماعية نابعة من الانتقام والحقد والطمع والانتقام من الأشخاص، ومشاكل الأسرة، والقضايا الأخلاقية.
لماذا انتشرت وتعددت الجريمة بشكل عام؟
وبحسب "البوادى" في تصريح لـ"اليوم السابع" - بالفعل ظاهرة الجريمة المجتمعية ساهمت الكثير من الأسباب في ازديادها مؤخراً لعل من أبرزها:
أولا:
ما أصاب المجتمعات من المتغيرات الاجتماعية والثقافية والإعلامية والتكنولوجية في العشر سنوات الأخيرة ساهمت فى زيادة العنف فى المجتمع من بينها ضغوط حياتية، وتفكك أسرى وانهيار الوازع الديني والأخلاقي والتفسخ الاجتماعي، وهو الأمر الذى جعل هناك قدراً كبيراً من تخبط الأفكار واختلاط الفهم الخاطئ بما كان عليه المجتمع من عادات وتقاليد وعدم القدرة على تحمل متطلبات المرحلة التي مر بها المجتمع ليصل إلى موقع ومكان أفضل ، الأمر الذى يجعل لبعض الموتورين أن يروا أن اللجوء إلى العنف نوع من أنواع التعبير والخلاص من هذه التأثيرات.
ثانيها:
كان استخدام العنف من الأب أو الأم فى بداية حياة أبنائهم كأسلوب للتربية ، قد يؤدى إلى إيجاد رواسب ذهنية لديهم بحسبان أن هذا العنف يمثل بعداً طبيعياً فى الحياة بصفة عامة.
ثالثا:
انتشار أفلام العنف والإثارة وإظهار بطولة البلطجي وانتصار الشر على الخير، وكذلك انتشار تلك النماذج الرخيصة من المطربين يعطى صورة ذهنية للشباب أن ذلك هو الأسلوب الأمثل للحصول على مكاسب مالية كبيرة فى وقت قصير طالما كان العنف وسيلة لتحقيق ذلك.
ووفقا لـ"البوادى" - الأمر البالغ الملاحظة مع انتشار جرائم القتل داخل الأسرة أو المحيط الضيق هو انخفاض المستوى التعليمي لمرتكب الجريمة أو يكون من مستوى تعليمي أعلى لكنه نشأ فى مدارس لا توجد بها أنشطة مدرسية مثل الموسيقى والرياضة وغيرها، وهى أمور ترقى الحس الإنساني وتدرب الإنسان على المشاركة الاجتماعية وتهذيب النفس والسلوك، فمن يقدم على العنف هو شخصية عدوانية فى التعامل مع زوجته أو أولاده، شخصية تقدم العنف على أى طريقة أخرى فى التواصل وليس لديه أى حلول أخرى أو تفكير رشيد ويعتبرها الطريقة الوحيدة للتفاهم، وأحيانا يكون مصابا بمتلازمة العظمة ولا يقبل الجدل أو مراجعة أوامره.
علاقة الجريمة بانتشار الأمراض النفسية
ويضيف الخبير القانوني: لا نستطيع أن نغفل تأثير الأمراض النفسية مثل الإصابة بالفصام والاكتئاب ثنائى القطب أو حالات الهوس، كما أن تفشى ظاهرة إدمان المخدرات، فالإحصائيات تكشف أن هناك 21 مليون متعاط ومتعامل مع المخدرات فى مصر، وفى هذه الحالات يتعرض الشخص لحالة من الغيبوبة الحسية والضلالات، ويوجد شخص منفصل عن الواقع، وقد يقتل بدم بارد، بالإضافة الى نقطة فى غاية الأهمية، وهى انتشار العنف على الشاشات والفضائيات، فبعضها يعرض أفلام العنف 24 ساعة يوميا، ويقدم حلولا ابتكارية للجريمة قد تجعل من يتأثر بها يعتقد أن القتل شيء عادى، ويرتكبه بأعصاب باردة لأنه شاهده من قبل، كما أن التفكك الأسرى بسبب وسائل التواصل الاجتماعي أو التباعد الاجتماعي أصبحت جرس إنذار مهما لأنها تسببت فى شعور أفراد الأسرة بالغربة عن بعضهم وهم يعيشون تحت سقف واحد، وافتقدت الأسرة الدفء والتواصل الأسرى، ومؤخرا أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية دور التغذية والتلوث فى انتشار العنف فى المجتمع فقد لوحظ أنه كلما زادت معدلات التلوث البصرى والسمعي والهوائي انخفضت معدلات ذكاء الإنسان، كما أن سوء التغذية ونقص الحديد والزنك وزيادة نسبة الرصاص فى الدم قد تسهم فى ميل الشخصية للعنف.
هذه الظاهرة البالغة الخطورة باتت تعطي منظورا سلبيا عن المجتمع المصري وهو ما يجب تغييره، وإعادة الصورة إلى ما كانت عليها، فالأمر يستلزم وضع خطط متعددة للتعامل الجدى والحاسم تتشارك فيه جميع مؤسسات الدولة ذات الصلة، حيث تقوم وسائل الإعلام المختلفة بالعمل على نشر النصح والحث على تغيير الصورة النمطية، وتقديم نماذج جيدة للتعامل بين الأفراد والعائلة والأسرة مع عدم التركيز على العنف والعلاقات المشوهة، ولابد أن نهتم بإعادة تشكيل الوعى المجتمعي المصري الذى تعرض لكثير من التغييرات فى السنوات الأخيرة وإعادة بناء الأسرة المصرية، وتدريب المقبلين على الزواج على طريقة الحوار وأسلوب حل المشاكل بعيدا عن العنف، فالخلافات الأسرية البسيطة التى تصل إلى حد القتل ليست وليدة اللحظة ولكنها مجموعة من التراكمات وشعور الطرفين بأنه لا فائدة من النقاش أو تغير الوضع وانسداد قنوات الاتصال بين الأطراف سواء زوجين أو أقارب أو جيران وغيرهم – الكلام لـ"البوادى".
الوقاية من الجريمة تقوم على عنصرين أساسيين وهما:
وهو ما يمكن تلافيه بتثقيف الشباب لحل المشكلات وفهم طبيعة ونفسية الطرف الآخر، والتعامل مع الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي تتعرض لها الاسرة والاهتمام بالتثقيف التربوي للأباء والأمهات لتربية أجيال قادرة على التواصل وقبول الآخر، وبناء العقل الناقد والمرونة فى التفكير فالبداية دائما من داخل الأسرة وفى بيت مترابط وأبوين متفاهمين، وكذلك ينبغي علي المؤسسات الدينية والاجتماعية والجمعيات الأهلية والأحزاب الفاعلة أن تقوم بدورها فى نشر ثقافة مجتمعية معتدلة تواجه بها تلك الظاهرة، والتوسع فى البرامج التأهيلية للشباب الحديثة التى تساعد ابناء المجتمع على ضبط النفس ومواجهة الصعوبات التى يتعرضون لها فى بداية حياتهم كذلك يجب التعامل القانونى والأمنى بجدية وحسم مع تلك الجرائم وتجريم العنف بكل وسيلة تفعيلاً لأحكام قانون العقوبات فى مواده رقم 240 و241 التى تصل إلى السجن المؤبد أو الإعدام فى حالة القتل مع سبق الاصرار.
الوقاية نوعان عامة وخاصة:
الوقاية العامة:
والتي تتناول وضع الخطط والبرامج الشاملة من قبل السلطات والهيئات المختصة والتي من شأنها القضاء على العوامل المؤدية إلى الإجرام أو الظروف المهيئة له .
والوقاية الخاصة:
التي يعتمدها الأفراد بوسائلهم الخاصة من أجل الابتعاد عن الظروف التي يمكن أن تجعل منهم هدفا للاعتداء عليهم .
والوقاية العامة تشمل الأسرة والمدرسة ومؤسسات المجتمع والأجهزة الأمنية والإعلام في منع الجريمة :
أولاً: الأسرة:
التي تعتبر الخلية الإنسانية الأولى، وهي التي يتربى في كنفها الفرد ويكتسب منها عاداتها وتقاليدها وثقافتها وهي تشكل الأساس الأول لبناء شخصيته، والتي تتأثر بكل ما يحيط بها من عوامل ايجابية أو سلبية والتي لا بد أن تؤثر على سلوكه في المستقبل، فالعائلة السليمة والمتماسكة تربي أجيالا قوية وسوية، بعيدا عن الجريمة، وأما العائلة المفككة والمخلخلة اجتماعيا فهي التي تربي الاجيال المنحرفة التي تؤدي الى الجريمة.
ثانياً: المدرسة:
أما بالنسبة للمدرسة فلها دور كبير بعد الأسرة في منع الجريمة، لأن الفرد يمضي وقتا طويلا في المدرسة، فهي التي تربي وتعلم وتثقف وتبني شخصيته الاجتماعية، وتعلمه على السلوك القويم والمطابق للقوانين وتعالج تصرفاته إذا انحرف، وبإمكان المدرسة أن تحد وتمنع فرص حدوث الجريمة في المجتمع إذا قامت بدورها الطبيعي كما يجب.
ثالثاً: الأجهزة الأمنية:
ولعل من أهم واجبات الأجهزة الأمنية هي منع الجريمة، واكتشافها، والقبض على مرتكبيها، و تنفيذ العقوبة الصادرة بحقهم، والمحافظة على الأمن العام والآداب، لذلك فإن أهم الواجبات الوظيفية للشرطة هي تحقيق الأمن والاستقرار لأفراد المجتمع .
رابعاً: الإعلام:
هنالك أيضا دور هام للإعلام الذي يلعب دورا هاما في توجيه الرأي العام وتوعيته والتنبيه إلى مخاطر الجريمة والتحدث عنها وبإمكانه أن يلعب دورا مهما في منع الجريمة. ولا ننسى تأهيل الفرد لاكتساب مهنة يعتاش منه باحترام، وكذلك منع البطالة، كل العوامل التي ذكرت أعلاه إذا طبقت تمنع وتقلص إلى حد كبير نسبة الجريمة في المجتمع.
أما الوقاية الخاصة في تعتمد:
في جوهرها على الجهود الفردية والتي تضع الإنسان في موقع متحفظ مما يحيط به من مخاطر وبالتالي يعمل على تجنبها وهي تختلف باختلاف الأفراد وظروف المكان والزمان، تشتمل الوقاية الخاصة على الوسائل التي يتخذها الفرد من تلقاء نفسه والتي تمكنه من الابتعاد عن احتمالات التعرض للاعتداء عليه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة