لم يكن تهديد مارك زوكربيرج، بإغلاق «فيس بوك» و«إنستجرام»، وكل تطبيقاته فى أوروبا، هو الأول من نوعه، لكنه فتح الباب لنقاش واسع حول إمكانية التخلى عن مواقع التواصل، البعض يرى أن اختفاء هذا العالم أكثر فائدة للبشر، بينما يعتقد البعض فى استحالة الاستغناء عن هذا العالم الافتراضى الذى احتل حياة البشر وغيرها، وأصبح أقرب لإدمان يصعب التخلص من تأثيرات انسحابه، وقد أصبح عالم مواقع ومنصات التواصل جزءًا من حياة البشر، للدرجة التى تمنح مارك زوكربيرج، وملاك هذه المنصات، السلطة للتهديد بمنع الخدمة وعقاب البعض لأنهم يعترضون على رغبة المنصات بالحصول على حق جمع بيانات المستخدمين وتصنيفها وتوظيفها.
بعض مستخدمى مواقع التواصل ناقشوا إمكانية الاستغناء عن هذه الوسائل، أو استبدالها، لكن الأمر ليس سهلًا، بعد أن أصبحت أدوات التواصل جزءًا من حياة مليارات البشر، وحياتهم، وأعمالهم، ما يجعلهم عالمًا افتراضيًا احتل حياتهم الحقيقية.
وعلى خلفية معركة الناشرين والحكومة فى أستراليا مع منصات التواصل الاجتماعى، فى فبراير 2021، عندما طالبوا المنصات بدفع مقابل للمحتوى الذى تنشره من منصات الأخبار هدد «فيس بوك» بتصعيد إجراءاته ومنع نشر الأخبار من المؤسسات والأفراد، واستمرت المعركة حتى انتهت بنوع من التفاوض، لكنها فتحت الباب لمناقشة السلطة التى أصبحت مواقع التواصل تملكها، لمنع الخدمة وحرمان ملايين منها، لفرض وجهة نظر، وهو ما يعد نوعًا من الاحتكار.
قبل هذه الأزمات كان المشرعون فى العالم يتجهون نحو اتخاذ خطوات للحد من قوة منصات التواصل الاجتماعى لصالح المؤسسات الإخبارية، على غرار قوانين حقوق النشر فى الاتحاد الأوروبى، التى أجبرت شركة جوجل على الدفع لناشرى الأخبار الفرنسيين مقابل محتواهم، فى صفقة تكررت فى أماكن أخرى، ويومها اعتبر وزير التراث الكندى ستيفن جيلبولت، تصرفات «فيس بوك» غير مسؤولة إلى حد كبير، داعيًا لوضع تشريعات عادلة بين وسائل الإعلام الإخبارية وعمالقة الويب.
بينما قال رئيس مايكروسوفت، وقت أزمة فيس بوك مع أستراليا، براد سميث، لموقع أنسيدر الأمريكى: «أنا مندهش من أن «فيس بوك» يسير فى هذا الاتجاه، أعتقد أنه خطأ».
والدليل على أن «فيس بوك» أصبح مع منصات التواصل جزءًا من حياة البشر، عندما تعطلت منصات فيس بوك بالسكتة، ومعها و«اتس آب» و«إنستجرام»، لمدة 6 ساعات فى الرابع من أكتوبر 2021، وجد مئات الملايين عبر العالم أنفسهم فى حالة من الصدمة والدهشة أو التساؤل، بل إن مارك زوكربيرج والشركة العملاقة لم يستطيعا مخاطبة جمهورهما عبر منصاتهما التى أصابها الخرس، واضطر «فيس بوك» للإعلان على حسابه الرسمى على «تويتر»، كانت مفارقة أن «فيس بوك» يتحدث لمستخدميه عبر منصة أخرى، يومها خرج مستخدمون ليعترفوا أنهم افتقدوا الموقع الاجتماعى الأهم، والبعض راهن على أن القطع هدفه تأكيد قيمة وأهمية الموقع الأكثر شعبية والذى لا يمكن الاستغناء عنه، وجرى الحديث عن بدائل لـ«واتس آب» أو حتى «فيس بوك» و«إنستجرام»، لكن عودة الخدمة أنهت الأزمة وأعادت الناس للواقع من جديد.
وعندما تعطل «فيس بوك»، أو عند إطلاق تهديدات بحرمان أوروبا من الخدمة، كلها أعراض لظاهرة إدمان مواقع التواصل، وقدرة الشركات على التحكم فى البشر وفرض وجهات نظرها أو تغيير أمزجة المستخدمين ودفعهم لمتابعة ما تكسب منه الشركات، ولإبقائهم فى دوائر مفرغة، تمنعهم من مجرد التفكير فى التخلى عن أدوات أصبحت تجرى فى حياتهم مجرى الدم.
وحتى مع إعلان بعض مستخدمى أدوات التواصل قدرتهم على الاستغناء عن هذا العالم الافتراضى، والقول إن الحياة يمكن أن تكون أفضل، لكن كثيراً من المستخدمين يرون أنهم يستفيدون من أدوات التواصل فى عملهم وحياتهم، حتى لو كانوا يدفعون من أسرارهم وراحتهم، ولا يمانع هؤلاء من أن تديرهم أدوات التواصل مثلما يستفيدون منها، بل وحتى إنها تجمع معلومات عن حياتم، وتوظفها لشركات التسويق أو لتحليل الأمزجة، ويظل السؤال: من يستفيد أكثر ومن يخسر؟ ومن يملك مفتاح التحكم الطبيعى أم الافتراضى؟
اليوم السابع
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة