في تصعيد متبادل، أعلن المستشار الألماني أولاف شولتس تعليق العمل في مشروع خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 ، وهو المشروع الذي يهدف لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق، ويعد بمثابة بوابة أوروبا للحصول علي الطاقة.
ويعد إعلان شولتس بمثابة أول رد غربي ملموس علي القرارات الروسية الأخيرة خلال الأيام القليلة الماضية، وبمقدمتها اعتراف موسكو باستقلال جمهوريتي لوجانسك ودونيتسك ، الواقعتان شرق أوكرانيا ، والمعروفتان بـ"إقليم دونباس"، وما تبع ذلك من إبرام اتفاقية صداقة، صادق عليها البرلمانات الثلاثة ، وبموجبها بات انتشار القوات الروسية في الشرق الأوكراني ممكناً بداع حفظ السلام.
وفى تقرير لها اليوم، حذرت شبكة سي إن إن الأمريكية من رد روسي محتمل علي قرار ألمانيا تعليق مشروع نورد ستريم 2 ، وقالت إن روسيا بإمكانها الإقدام علي غلق خطوط الغاز الأخرى التي تزود القارة العجوز بالغاز، مشيرة إلى ألمانيا تتلقي بالفعل الغاز الروسي من خط أنابيب نورد ستريم 1، وهو مشروع مماثل يمتد أيضاً تحت بحر البلطيق.
واعتبرت الشبكة الأمريكية أن مشروع نورد ستريم 2 ، "ميت سياسيا" بسبب التصعيد المتبادل في الأزمة الأوكرانية بين الغرب وروسيا ، غير أن ألمانيا التي بادرت بقرارها الأخير ، تواجه ضغوط لاعتماده بشكل كبير علي الغاز في إدارة ملف الطاقة ، ومعارضتها للطاقة النووية ، وهو ما يجعل برلين مطالبة بالاعتماد العاجل والسريع علي مصادر الطاقة المتجددة.
أزمة طاقة تطرق أبواب القارة العجوز
وعلى المدى القصير، يمكن لأوروبا أن تحصل على الغاز من دول أخرى - وهو أمر غير مرجح بما يكفي لتحل محل روسيا، ولكن ربما يكفي لتجاوزها - والتعامل مع التهديد الروسي الفوري.
لكن المشكلة الدائمة لأزمة المناخ ستستمر في الاضطراب وستكون في نهاية المطاف أكثر فتكًا وتكلفة مما قد تكون عليه المواجهة العسكرية.
يعتبر خط أنابيب نورد ستريم 2 لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق، بمثابة بوابة أوروبا للحصول علي الطاقة، وهو أحد أوراق الضغط التي تمتلكها روسيا تجاه الدول الأوروبية، في ظل الحشد الروسي الممتد علي الحدود الأوكرانية.
ويعد خط الغاز البالغ قيمته 11 مليار دولار، والذي يمر أسفل بحر البلطيق ويتجنب في طريقه الحدود الأوكرانية، بمثابة ورقة ضغط، فما هي قصة خط الغاز المثير للجدل؟ ولماذا يعد ورقة ضغط في الأزمة الأوكرانية ؟
وبحسب تقرير نشرته شبكة سي إن إن الأمريكية ، تم الانتهاء من خط الأنابيب البالغ طوله 1230 كيلومترا في سبتمبر الماضي لكنه لم يتلق بعد الشهادة النهائية من المنظمين الألمان، وعندما يتم تشغيله، فإنه سيعزز شحنات الغاز مباشرة من روسيا إلى ألمانيا.
وعارضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوكرانيا والعديد من دول الاتحاد الأوروبي نورد ستريم 2 منذ الإعلان عنه في عام 2015، محذرة من أن المشروع سيزيد من نفوذ موسكو في أوروبا.
ويضخ "نورد ستريم 2" حوالي 55 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا، يمثل هذا أكثر من 50% من الاستهلاك السنوي لألمانيا، ويمكن أن يحقق ما يصل إلى 15 مليار دولار لشركة جازبروم، الشركة الروسية التي تتحكم في خط الأنابيب، بناء على متوسط سعر التصدير في عام 2021.
وتعتبر الطاقة قضية سياسية رئيسية في أوروبا الوسطى والشرقية، حيث تلعب إمدادات الغاز من روسيا دورا أساسيا في توليد الطاقة والتدفئة المنزلية، وتقترب أسعار الغاز الطبيعي بالفعل من مستويات قياسية في أوروبا.
بصفتها أكبر عميل للغاز الروسي، حاولت ألمانيا إبقاء "نورد ستريم 2" خارج السياسة العالمية، لكن القضية أصبحت لا مفر منها بعد أن حشدت روسيا أكثر من 100 ألف جندي بالقرب من حدودها مع أوكرانيا.
يمكن أن يساعد "نورد ستريم 2" في تغيير ميزان القوى في أوروبا عندما يتعلق الأمر بالطاقة، في الوقت الحالي، وتحتاج روسيا إلى أوكرانيا، لأن كمية كبيرة من الغاز الذي تبيعه إلى أوروبا تتدفق إلى بقية القارة عبر أوكرانيا.
موقف الكبار من "نورد ستريم 2"
وكان "نورد ستريم 2" محط تركيز كبير عندما زار المستشار الألماني أولاف شولتس البيت الأبيض أوائل الشهر الجاري فقد قال بايدن خلال مؤتمر صحفي مشترك مع شولتس: "إذا غزت روسيا.. فلن يكون هناك نورد ستريم 2". وأضاف: "سنوقف ذلك"
من جهته، قال شولتس إن ألمانيا مستعدة للعمل مع الولايات المتحدة. وردا على سؤال حول ما إذا كانت بلاده مستعدة لوقف خط الأنابيب، قال المستشار: "نحن متحدون تمامًا"، وأضاف: "سنتخذ الخطوات نفسها، وستكون صعبة للغاية بالنسبة لروسيا. وهو ما فعله شولتز بعد اعتراف روسيا.
وتعود العلاقة بين روسيا وألمانيا الى عقود، تعهد المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر في عام 2000 بالتخلص التدريجي من محطات الطاقة النووية في ألمانيا، وهي سياسة استمرت في عهد خليفته، أنجيلا ميركل.
وساعد شرودر في تنظيم الصفقة لبناء أول خط أنابيب نورد ستريم، والذي يمتد بالتوازي مع نورد ستريم 2، وتولى منصب رئيس لجنة المساهمين بعد فترة وجيزة من ترك منصب المستشار الألماني. وتم ترشيحه الأسبوع الماضي للانضمام إلى مجلس إدارة شركة جازبروم الروسية.
وعملاق الغاز الروسي هو المساهم الوحيد في "نورد ستريم 2" ولكن يتم توفير 50% من التكلفة الإجمالية للمشروع من قبل 5 شركات طاقة أوروبية: Wintershall وUniper الألمانيتان، وShell البريطانية وEngie الفرنسية وOMV النمساوية.
وقال المحلل أولريش شبيك، من مركز أبحاث "صندوق مارشال الألماني"، إن ألمانيا استثمرت في روسيا على مدى العقدين الماضيين على أمل تحديث البلاد وإحداث تغيير سياسي.
عواقب كارثية
تتسابق الولايات المتحدة وحلفاؤها لوضع خطط طوارئ في حالة تعطل إمدادات الغاز الروسي بسبب الصراع في أوكرانيا، قال البيت الأبيض الشهر الماضي إنه يتحدث مع دول وشركات حول زيادة الإنتاج كما أنهم يحاولون تحديد مصادر بديلة للغاز الطبيعي يمكن إعادة توجيهها إلى أوروبا.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في وقت سابق: "نبني شراكة لأمن الطاقة مع الولايات المتحدة، والتي تتعلق أساسًا بالمزيد من إمدادات الغاز الطبيعي المسال". لكن أوروبا ستكافح من أجل البقاء لفترة طويلة بدون الغاز الروسي، وإيجاد مصادر بديلة يمثل تحديًا لوجستيًا صعب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة