كل عام وأنتم بخير، نلتقى معا فى شهر رمضان المبارك - أعاده الله عليكم وعلينا بالخير والبركات - مع سلسلة جديدة بعنوان "الصادقون"، وهم أولئك الذين أخلصوا فى أفكارهم وفيما قاموا به، منهم من صدق مع المجتمع الذى يعيش فيه، ومنهم من صدق مع ذاته، وبالطبع لن نجد أكثر صدقا من سيدنا النبى محمد عليه الصلاة والسلام كى نستهل به الكتابة.
نعرف جميعا سيرة النبى الحبيب، ونعرف ما عاناه فى سبيل تبليغ الدعوة، ولعل زيارته إلى مدينة الطائف وما لقيه من تعنت الناس هناك، ودعاؤه الشهير "أنت رب المستضعفين وربي" يكشف لنا شعوره فى تلك اللحظة، ويوضح لنا أن النبى عليه السلام كان بشرًا يشعر بالتعب ويعانى مثل بقية خلق الله، لكنه مع ذلك لم يفكر لحظة فى التخلى عن الرسالة التى أوكلها الله إليه، وتحمل صابرًا، وعانى من فقد أحبابه خاصة السيدة خديجة وعمه حمزة بن عبد المطلب وبناته الحبيبات اللواتى توفاهن الله فى حياته.
كان النبى عليه السلام صادقًا فلم تخدعه الرغبات، ولعل قصة الإغواء الشهيرة عندما عرض عليه سادة قريش الدنيا وما فيها فرفض، دليل على ذلك، كما أنه بعد ذلك، لم يلمس الكبرياء خصاله، ولم يغتر بما آتاه الله من فضله، ظل رجلا بسيطا حتى بعدما منَّ الله عليه وفتح له مكة منتصرا وصار أعداء الأمس يتمنون منه الرضا، وصار قوة تحسب لها أرض الجزيرة العربية مليون حساب كما نقول.
كان صادقا حتى أتم كل شيء، أتم الدين، وأتم تربية أصحابه بالحسنى، وأتم وضع قواعد وأسس المجتمع الجديد، كان بسامَّا لا يعبس، يأخذ بيد الضعيف حتى يقوى، ويهذب القوى حتى يستكين قلبه ويخشع، يفعل كل ذلك وهو ذو طبيعة لينة كما وصفه ربه "وبرحمة من الله لنت لهم"، فأثبت لنا أن اللين من صفات العظماء، وكان الناس من قبله يظنون أن القادة لا يصلح لهم لين القلب بل عليهم أن يغلظوا ويتوحشوا.
لقد أرسى النبى، عليه السلام، بصدقه وبتحمله للأمانة، قواعد صالحة على مدى الأزمنة والحضارات لبناء مجتمع ناجح ولبناء إنسان صادق.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة