نعانى جميعنا بشكل أو بآخر من آلام نفسية متعددة، وهذه حقيقة، لا يجب أن نقف ضدها منكرين، فلقد أصبح العالم مركبًا، ومعقدًا، خسر الكثير من رشاقته، وأثقلته التطلعات والمقارنات، وكبلته الأجهزة الحديثة والسماوات الفضائية المفتوحة، ولأن الأحلام لا تقارن بالإمكانات فإن الأمر ينتهى عادة إلى إحباط واكتئاب وتوتر وقلق وما هو أكثر من ذلك.
نحن فى عالمنا العربى نوعان، فيما يتعلق بالمرض النفسى، فمعظمنا، للأسف، ينكر أنه "متعب نفسيا"، ويرى فى الأمر "وصمة" عليه أن يتكتمها، ويرى الأهل فى مرض أبنائهم "عارًا" عليهم ستره، هذا لو أن أحد أفرادهم اقتضته الأمور أن يذهب إلى طبيب نفسى، إنهم يرون فى ذلك نهاية، هكذا تحكمنا الرجعية التى تربط بين المرض النفسى والعقلى، فلا نعرف غير كلمة "الجنون" نرددها على كل إنسان ابتلاه الله سبحانه وتعالى بالمرض، يحدث ذلك على الرغم من التقدم الذى نعيشه ظاهريا، لأنه فى الحقيقة تقدم "قشرة" يحيط بنا، تقدم ليس له أساس فى الفكر ولا أثر له فى الواقع، وفى ذلك مبالغة ومغالاة.
والنوع الثانى، ذلك الذى يتفاخر بأنه يذهب إلى طبيب نفسى، ويزيد ويعيد فى الجملة يشعرنا بأنه يذهب من باب "المنظرة" وكى يضع نفسه فى طبقة عليا، ودائرة مختلفة، كأن بذهابه إلى الطبيب النفسى قد حقق "شرطا طبقيًا معينًا"، وفى ذلك مبالغة ومغالاة.
وللأسف فإن الإعلام فى عالمنا العربى لا يزال فى معظم الأحيان يتعامل مع "المريض النفسي" بنوع من الإدانة، أو الكوميديا، لا تراه إلا كارها لنفسه وللآخرين مرتكبا للجرائم وراغبا فى تدمير النفس والعالم، أو مثيرا للضحك والخفة وكأن مرضه فجَّر فى داخله بحورا من "الروقان"، نعم لا يثير الإعلام فى معظم الأحيان القضية باعتدال، لا يشعرنا بالخطر دون فزع، ولا يدفعنا لتقبل المريض دون سخرية.
وما أحلم به نهضة فى الوعى بدور الطبيب النفسى فى حياتنا وحياة أبنائنا، لا خوف ولا مفخرة، ولكن حاجة فى التقدم ورغبة فى تجاوز المعوقات وفهم الذات والنفس.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة