القتل فعل بشري مرتبط بحياة الإنسان على وجه الأرض، وسيظل موجوداً، بل ويتزايد ارتباطاً بمعدلات النمو السكاني، واتساع دائرة التخلف الثقافي والحضاري من مجتمع لآخر، ولعل قصة هابيل وقابيل، التي أوردها القرآن الكريم في سورة المائدة، كأول قضية قتل في تاريخ البشر، تؤكد أن شهوة المعصية ودوافع الجريمة موجودة في كل عصر، ومرتبطة بالتكليف والالتزام بالمنهج الرباني، الذي جاءت به كل الرسالات السماوية "افعل ولا تفعل"، الصواب والخطأ، الخير والشر..
"إيزيس وأوزوريس" هي أشهر أسطورة ترويها الآثار المصرية القديمة، التي تشير إلى أن "ست" شقيق أوز وريس قتله من أجل اغتصاب الحكم، وقطع جسده إلى 42 جزءًا، ووزعها على أقاليم مصر المختلفة، وهذا دليل دامغ على العنف، الذي هو صناعة بشرية خالصة، كما أن التاريخ العربي والإسلامي مملوء بمئات القصص للقتل والعنف، فقد قطعت رأس عبد الله ابن الزبير، وأُرسِلت إلى عبد الملك بن مروان، وصلب الحجاج بن يوسف بدن ابن العوام بمكة، لذلك الجريمة قديمة وموجودة بكل أشكالها وصورها وليست جديدة أو وليدة الألفية الثالثة.
قصة طالبة المنصورة التي قتلها زميلها أمام أبواب الجامعة، مفزعة وبشعة، وتعيدنا إلى عصور الوحشية الأولى، التي كان القتل فيها مشاعاً، لكنها تبقى وتظل حالة فردية في مجتمع الـ 100 مليون مواطن، الذي مازال ينعم بالكثير من الاستقرار والحب، فلو أن معدل جرائم القتل في مصر 1 في كل مليون فنحن نتحدث عن 100 جريمة قتل يومياً، فالجريمة موجودة بصور وأشكال مختلفة، لكن السبب في ذيوعها وانتشارها يعود إلى السوشيال ميديا والذيوع الكبير الذي حققته، وثقافة اللايف، والبث المباشر، الذي جعلها على الهواء مباشرة.
الموضوع لا يرتبط فقط بثقافة الزحام، بل له أبعاد تتعلق بعادات المجتمع، والتقاليد البالية، وشيوخ التطرف، ونظرة المجتمع للمرأة، التي أرى أنها مازالت تحتاج إلى الكثير من التغيير، بداية من تفكير المرأة في ذاتها، مروراً بالتربية والتعليم، وصولا إلى التمييز الإيجابي لتحصل على حقوقها كاملة، وتنال التقدير المستحق من المجتمع، دون أن تتحول إلى موضوع للشهوة أو فريسة للذئاب والمتحرشين.
أتصور أن شهوة الكلام، والسعي نحو صدارة المشهد، والحضور لدى الرأي العام أصعب مشكلاتنا وأعقدها في الوقت الراهن، فالبعض يندفع نحو التحريض على الجريمة أو تدشين عبارات وألفاظ وأحكام فاسدة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي بدافع من اللايك والشير وملايين المشاهدات، وباتت مصدراً لا بأس به من العملات الصعبة، حتى ترك بعض أساتذة العلوم الشرعية مواقعهم في الجامعات، وتفرغوا للتعليق على قضايا الرأي العام، ليسقطوا في فخ التطرف، ونرى مستويات التطرف في عقولهم، لذلك لا بد أن يتحرك القانون ويكون له دور فاعل في مواجهة فوضي السوشيال ميديا، وكل يحاسب على قدر الجرم الذى ارتكبه، وما نشره من فتنة وفوضى على أسماع الملايين.