لو حاولت التعرف على معنى "العشم" في اللغة العربية ستجد أن المعنى الأقرب هو الأمل في شخص من باب حسن الظن لطلب خدمة أو مال أو حتى نصيحة، والعشم بمعناه الحقيقي أمر جيد، ويوثق علاقات الناس بصورة أفضل، لكنه مع زحام الحياة، والمادية المفرطة التي صارت تحيط بنا، ولغة المكسب والمصلحة القبيحة، صار ضرورياً أن تتخلى عن العشم، ولا تضع رهانك على غيرك.
التخلي عن العشم يمحنك ميزات عظيمة، وفرص أعظم لاكتشاف قدراتك على حل المشكلات والتعامل مع الصعاب، بالإضافة إلى الراحة النفسية، فأغلب ما يقع من مشكلات نتيجة العشم الزائد أو حتى المحدود والعلاقات غير المدروسة التي تنتظر فيها مزايا أو مكاسب من الآخرين، قد تنتهى بصدمة أو تجربة قاسية تعانى منها لفترة طويلة.
تجاوز العشم يقدم لك فرصة حقيقية لإعادة تقييم الزملاء والأصدقاء والمقربين، ويضع لك خريطة جديدة ومناسبة لعلاقاتك الشخصية والاجتماعية، لذلك أتصور أن التخلي عن العشم يمنحك قدرة كبيرة على التسامح والتصالح مع الذات والآخرين، ويعطيك فرصة أكبر للنجاح واتخاذ القرار بصورة أدق وأسرع، بالإضافة إلى تخطى الصغائر والتفاصيل الهامشية وعدم التوقف عندها أو المبالغة في التعبير عنها.
العشم صناعة عربية خالصة، في حين لا تعرفه المجتمعات الأخرى بالصورة التي نضعه فيها، وتختلف حتى ترجمته بمفردات اللغة وتوظيفاته في سياقات مرتبطة بالتمني أو الأمل، فالعشم لدينا مرتبط بكل شيء، نبحث عنه في العمل، وفي الأقارب والأصدقاء، وفي أمورنا الخاصة والعامة، في الزواج والطلاق، في الفرص والمزايا، في الترقي وأولوية التقييمات، دون النظر لمشروعية هذه الأمور واتساقها مع مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص.
أهم ما نستهدفه جميعاً على اختلاف مستوياتنا الاقتصادية والاجتماعية والفكرية هو "راحة البال" ومدلول راحة البال عميق ومتشعب بصورة كبيرة، لكنه ببساطة هو السعادة التي ننشدها، لذلك حتى تجد راحة البال، ذلك الكنز الذى لا يقدر بثمن، عليك التخلي بصورة كاملة وقاطعة عن العشم، فلن تجد من يحترمه دائماً، وستتعرض للكثير من الخذلان، فالناس لن يكونوا عند حسن ظنك، وسيخلفون وعودهم باستمرار، وحماسهم الأول يفتر ويتلاشى مع كل طلب أو خدمة، لذلك لا تأكل رصيد محبتك لديهم بالعشم الزائد، واعشم دائماً في قدرتك، وما تستطيع أن تفعله أو تقدمه.
استبدل العشم بالحب حتى تحصل على راحة البال، واجعل دائماً سؤالك على الغير من باب الود دون أن يرتبط بمصلحة أو منفعة، ولا تنتظر من الآخرين رد السؤال أو الاهتمام ما دمت تمارس هذا الدور دون غرض أو هوى، وتخلى عن اللوم والعتاب قدر المستطاع فالجميع لديهم ما يشغل تفكيرهم ويملأ أوقات فراغهم، وعزز نفسك دائماً ولا تكن ضيفاً ثقيلاً على أحد، فهذا مفتاح السعادة، وباب ذهبي للسلام النفسي.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة