مستوى متذبذب وغير معهود ذلك الذى يقدمه فريق ليفربول فى الدورى الإنجليزى هذا الموسم، الأمر الذى أصاب عشاقه فى جميع أنحاء العالم بحالة من الصدمة، ففي الوقت الذى يعقد جمهور الريدز آمالاً كبيرة على الفريق لاستعادة كأس البريميرليج هذا الموسم ظهر الفريق مترنحاً من مباراة إلى أخرى، فلم تشفع لهم الأهداف التسعة في مرمى بورنموث الصاعد حديثاً وما تبعها من موجات تفاؤل وأمل حتى عاد الانكسار من جديد بتعادل مخيب أمام إيفرتون المتأخر فى جدول الترتيب ليجذب الليفر من جديد للبداية الضعيفة هذا الموسم بالخسارة أمام مان يونايتد والتعادل أمام فولهام وكريستيال بالاس وكاد السيناريو يتكرر أمام نيو كاسيل لولا إنقاذ كارفاليو للفريق في الدقيقة +98.
تساؤلات عديدة يطرحها عشاق ليفربول تلخص أحوال الفريق فى مبارياته الأخيرة، أبرزها بالتأكيد عن أسباب هذا التراجع، وما إذا كانت فنية أم أن إدارة النادى كانت بحاجة لمزيدٍ من الإنفاق قبل انتهاء الميركاتو، فى ظل الإصابات العديدة، وهل يدفع ليفربول ثمن رحيل ماني، ولماذا تُحمل الجماهير محمد صلاح مسئولية إنقاذ الفريق بمفرده، ومتى يخرج الفريق من تلك المتاهة ويُظهر من جديد شخصية البطل التى ساهمت فى التتويج بالبطولات الفترة الأخيرة؟.
يجب التأكيد أولاً أن مسابقة الدورى الإنجليزى مازالت في بداياتها، وأن الأندية الكبرى مثل ليفربول بإمكانها النهوض من أى كبوة، مادام الوقت مناسباً والعودة بطموح جديد واستعادة شخصية البطل الذى يهابه الجميع، وهو ما أثبته التاريخ طوال السنوات الماضية، خاصة فى مسابقة ليس لها كتالوج كالدورى الإنجليزى، البطل فيها ليس حكراً على نادٍ بعينه، والكأس فيها حائرة بين الأندية.
أما تحميل صلاح بمفرده فاتورة تراجع نتائج الفريق فهو أمر مرفوض شكلاً وموضوعاً، وربما كان غريباً بعض الشىء غياب صلاح عن التسجيل في المباريات الأخيرة، حتى عن حفلة بورنموث الشهيرة، فربما يرجع لتغيير مركزه فى تشكيل ليفربول بالموسم الحالى، وهو ما لاحظه الجميع بتكليف النجم المصرى باللعب فى العمق والنزول لوسط الملعب وابتعاده عن مناطق التسجيل، فضلاً عن تكليفه بمزيدٍ من الأدوار الدفاعية، وهو ما لم يستطع كلوب نفسه إنكاره عندما سُئل من الصحفيين بعد مباراة إيفرتون الأخيرة حول توظيف صلاح بشكل مختلف هذا الموسم فرد قائلا، "ليس مختلفاً كثيراً عن المواسم السابقة، بشكل عام، اعتمدنا عليه بالعمق، واليوم كان عليه كذلك ولكن لم يكن هناك وقت كافٍ للتدرب على هذه الأشياء، خاصة بعد مباراة نيوكاسل.. لويس دياز وصلاح قاما باللعب بين الخطوط، وداروين أثبت ظهوراً قوياً بإبعاد المدافعين عنهما، صلاح كان قريباً من التسجيل بآخر لحظة"، وهو ما يفسر ابتعاد النجم المصرى عن التهديف مؤخراً.
وعلى الرغم من دخول ليفربول سوق الانتقالات بقوة هذا الصيف بضم بعض الصفقات القوية، وعلى رأسها (داروين نونيز من بنفيكا البرتغالي، وفابيو كارفاليو من فولهام، وكالفين رامسي من نادى أبردين الأسكتلندى)، إلا أن الإصابات أظهرت سوءات وسط ليفربول، خاصة فى غياب تياجو ألكانتارا ونابي كيتا، وفشل المدرب الألماني بكل خبراته التدريبية فى التعامل مع تلك الغيابات، فظهر للجميع تلك الفجوة فى وسط ليفربول وتأثيرها على الدفاع، ولم ينصفه "عناده" بعدم حاجة الفريق لصفقات جديدة، أو بالأخص للاعب فى وسط الملعب، وشاهدنا رده الساخر فى أحد المؤتمرات على سؤال ما إذا كان الفريق بحاجة لصفقات فرد المدرب الألماني قائلا، "لست أنا من ينفق الأموال".. نعم لست أنت من ينفق الأموال سيد كلوب، ولكنك تملك حق الضغط على الإدارة لطلب تعاقدات، وتتمسك بذلك، مثلما يفعل الآخرون، لأنك مسئول أولاً وأخيراً عن مستقبل الفريق، وفى النهاية اضطرت إدارة ليفربول فى الساعات الأخيرة من الميركاتو لضم البرازيلي آرثر ميلو، المعروف عنه عدم التزامه وإصاباته المتعددة أيضاً.
أما ساديو ماني هذا الساحر السنغالى الذى بدأ ينثر سحره منذ اللحظة الأولى فى بايرن ميونخ، فبالطبع خروجه من ليفربول مؤثر جداً وخسارة فنية وفجوة يحتاج ليفربول لعلاجها سريعاً، خاصة تلك الحالة التى كان يصنعها مع صلاح، سواء انسجامهما فنياً أو حتى تلك الغيرة الكروية بينهما والتي انعكس صداها بالتأكيد على تطور مستواهما وخلق ثنائية مرعبة، لذا فيبدو أن رحيل النجم السنغالى قد غيّر خريطة ليفربول الهجومية، وحوّل كل الضغوط على صلاح، بجانب إفساح المساحات لـ"دياز" المميز فى المراوغات، الضعيف بدنياً، السيئ فى إنهاء الهجمات أيضاً، أى أن البدلاء وإن كانوا يمتلكون الموهبة والحماس إلا أنه ينقصهم مزيد من الوقت والخبرة للتعبير الحقيقى عن أنفسهم، ومازال كلوب يحتاج مزيداً من الوقت لصناعة مثلث مرعب جديد مستغلا فيه سرعات صلاح الفائقة ومراوغات دياز ومهارة نونيز، إلا أن الأخير ليس فيرمينو، كما لم يصل البرتغالى لفورمة الأسد السنغالى.
فى النهاية.. ما يحدث فى ليفربول طبيعياً ويحدث فى البدايات، خاصة أن الدورى الإنجليزي مجنون وجدول الترتيب متغير والمسابقة ما زالت فى بداياتها، فالفريق يمتلك جميع مقومات النهوض من جديد بالمواهب التى يمتلكها بين صفوقه أمثال صلاح وجوتا وفيرمينو وغيرهم، والتاريخ خير شاهد على ذلك.