فجرت فينا وفاة الزميل والصديق علام عبد الغفار طاقات حزن كبرى كانت مختزنة بداخلنا فظهرت على السطح مندفعة قوية لا تكفيها الكلمات أو يمكن اختازلها فى جمل.
مر صديقنا علام بفترة من المرض أبقته فى المستشفى وكانت التقارير الطبية متباينة ما بين مبشر بقرب شفائه أو معبرا عن سوء حالته الصحية وتدهورها التى عبرت عنها بقائه فى غرفة العناية المركزة التى لا لم يفارقها سوى لساعات معدودة ثم سرعان ما عاد إليها سريعا، ولكن مثلت وفاته صدمة كبرى لم يكن يتوقعها غالبية محبية الذين كانوا يمنون النفس بعودته إلى عمله وأسرته سالما معافيا ولكن كانت المفاجأة هى وفاته.
لا يمكن التعجب من حالة الحب التى أحاطت علام والحزن الكبير لرحيل تلك البسمة الصافية التى ترتسم على وجه باستمرار وكأنة تفصيلة من جسدة أو جزء من ملامح وجه لا تفارقه ولكن هل هناك سر فى ذلك الإجماع على محبة ذلك الإنسان والصديق نحن ندرك والحزن الكبير لرحيله.
فهل نبكي فيه قصة كفاحة كيف أتى شاب قروى بسيط إلى المدينة الصاخبة بدون واسطة أو محسوبية يتكأ عليها تساعده فى بداية حياته وتأخذ بيده ورغم ذلك استطاع التحول من ، فرد عادى لا يختلف عن أقرانه الذين يأتون من القرى المختلفة ولكنهم يعجزون عن تحقيق أحلامهم ويتوهون فى الزحام بين العشرات، ولكنه كان من نوعية مختلفة استطاع الالتحاق بمؤسسة صحفية سرعان ما أصبحت من أكبر مؤسسات الصحف والنشر ليس فى مصر فقط بل فى محيطها العربي ايضا وتحقق النجاحات تلو الأخرى ويصعد معها علام ايضا درجات النجاح والترقى، بداية من صحفي مبتدئ وصولا لرئيس قسم المحافظات انتهاء لمنصب نائب رئيس التحرير
هل نبكي علام حزنا على شبابه أو بكاء من هول الصدمة ان شابا فى مقتبل العمر ينتظره مستقبل مشرق يكتب بدايته متمتعا بوافر الصحة والحيوية ينتظر مزيدا من النجاحات ولكنها كانت الخاتمة والسطر الأخير فى قصته .
هل نبكي علام خوفا من النهاية أو لأننا أدركنا أن النهاية قد تكون قريبة جدا بعيدة عن الحسابات ففى الوقت الذى ترسم وتخطط فيه للمستقبل أومشروع لبداية جديدة قد يكون ذلك خاتمة ونهاية لقصتك التى لا تكتبها بنفسك ، بل يتطوع بهذا من حولك .
هل نبكي علام لأننا لمسنا الخوف والجزع من فراق الأحبة والخلان و الأصدقاء والأبناء وخاصة الأخيرة هل فزعنا من مسألة فراق الأبناء تلك البراعم الخضراء التى تركها علام وذهب إلى لقاء ربه .. هل دارت بنا الحسابات كيف سيفعلون؟ وكيف سيواجهون الدنيا؟ وكيف سيتغلبون أو يعبرون الحياة بمو اقفها المختلفة ؟
هل يدرك ابناؤه الأن الموقف ؟ هل تستوعب تلك الملائكة "محمد ،حليمة" الفراق الأبدي؟ وأن اباهم ولحظاتهم معهم أصبحت ذكريات وقد تشوش أو تنسى بعض تفاصيلها مع تقدمهم فى العمر وأن والدهم تحول من صوت فى المنزل ودفء وأمان وتلبية للمطالب المختلفة قد تحول لمجرد صورة على الجدران وسيرة حسنة تتناقلها الألسن المختلفة ؟
ما ذا كان يمنى أبناؤه "محمد وحليمة" أنفسهم وينتظرون بعد شفاء والدها هل كان سيطلبان منه التنزة .. أو شراء ملابس .. أو شراء دراجة لمحمد وعروسة لحليمة . هل أصبحت تلك الطلبات البسيطة فى وجود الأب إلى خجل من مجرد البوح أمام غيره بعد غيابه.
هل نبكي علام ابناؤه ام تملكنا الخوف على ابنائنا .. نحن جميعا نعلم أن الموت حق وأن الفراق مخت م ولكننا نهرب من هذا اليقين ولا نتذكره بوفاة القريبين فيتلكمنا الحزن عليه وعلى أنفسنا أكثر فهل هى صدمة الرحيل المفاجىء أم ألم الفراق .
هل نبكي علام الإنسان البشوش الطيب دائم البسمة أم نبكي حالنا والخوف من الإنتقال من خبر يحمل توقيعه إلى رثاء ينعيه .
هل نبكي علام خوفا من التحول إلى مجرد ذكرى تعبر بين الحين والأخر.
فى النهاية أريد أخبرك ياصديقي شىء لا تجزع ياصديقي فى رحلتك الأخيرة فهناك ما سيستند عليه محمد وحليمة سيرتك العطرة وقصة كفاك التى سيستمد منها أبناؤك الدعم .. وقبل ذلك الله سبحانه وتعالي الذى شاهدنا ايات محبته لك في تلك الجموع التى شيعتك لمثواك الأخير .. وكم الصدقات والأعمال التى انهالت من كل حدب وصوب تحمل اسمك لتظل دائما تحمل الخير والرفق للجميع حتى خلال غيابك فهذه حياة كريمة تقرر اطلاق اسمك على مكتبة ومستشفى تقرر كتابة اسمك على وحدة صحية بها بها ومسابقة للقرآن تحمل أسمك .
صديقي لا أخشى عليك ولا أحزن لوفاتك فأنت موجود دائما وستظل حاضرا بأعمالك .. ولا احسب ذلك سوى غياب بسيط بالجسد فقط . أما أولادك فلا تجزع عليهم فهم حضرة ملك الملوك لن يضيعهم الذى أراد أظهار قدرك ومحبته لك فى غيابك فكيف سيكون فعل أكرم الأكرمين بأولادك.
وأنتم يا أولادى لكم الحق الفخر بأبيكم الذى استنفذ رسالته وواجبه وحقق ما عليه فى سنوات قليلة فكان حقا له أن يستريح.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة