على مدار عدة سنوات، وتحديدًا قبل انطلاق معرض القاهرة الدولى للكتاب، أصبح من المعتاد أن تخرج علينا إحدى دور النشر، بإصدار ترجمة لواحدة من روايات الأدب العالمى، إلى اللغة العامية المصرية، لتثير جدلا لم ينته حتى يومنا هذا.
اللافت فى الأمر، هو أن حالة الجدل يكون سببها شهرة العمل الروائى نفسه، فلم نسمع يومًا منذ أن خرج علينا أصحاب هذه البدعة بترجمة رواية عالمية لم تصدر لها ترجمة عربية من قبل، وكأن المترجم أو دار النشر، تفضل عملاً يعاد كتابته من جديد ولكن فى ثوب العامية المصرية، وتحديدًا القاهرية، والسؤال هنا: لماذا القاهرية؟ ولماذا لم تكن العامية النوبية؟ أو اللغة العامية الشرقية؟ أو الدمياطية، التى أصبحت واحدة من تحديات فروق اللهجات على منصات التواصل الاجتماعى؟
قد يعتقد البعض أن الرفض التام لترجمة الأدب العالمى إلى اللغة العامية، هو رفض للعامية ذاتها، فى حين أنهم لا يدركون أن اللغة العامية، شأنها كشأن اللغة الفصحى، وليس من السهل – مثلا – أن تصبح شاعر عامية، ولكن إذا ما نظرت إلى هذه الترجمات وأحدثها رواية "العجوز والبحر" للكاتب الأمريكى إرنست همنجواي، ستجد أن الادعاء بأنها ترجمة عامية كذب وافتراء، وأن من قام بذلك، لا يعرف الفرق بين العامية واللغة العروضية، فالأخيرة يراعى فيها اعتماد النطق وليس الكتابة، فحينما نقول "هذا" أو "لكن"، فإننا نتلفظ بها عروضيا هكذا: "هاذا" و"لاكن"، وبالتالى فنحن أمام حالة تشويه وعدم فهم لا مبرر لها سوى البحث عن الشهرة، فى وقت أصبحت فيه هى الباب الأسهل والأسرع لتصبح حديث السوشيال ميديا.
الأمر الآخر الذى يجعلنا نشعر بالسخف والسذاجة أمام الزعم بأن هذا الفعل المشين، إنما هو من أجل التشجيع على القراءة، هو أننا لم نسمع يوما عن قارئا سأل فى إحدى المكتبات عن رواية مكتوبة باللغة العامية، فالقارئ الذي يقرأ باللغة العربية، لن يجد صعوبة فى أن يقرأ أى نص، ربما توجد الصعوبة فى الفهم ذاته، وهو أمر ربما يقع على عاتق اثنين لا ثالث لهما، القارئ نفسه، وربما الكاتب، وبالتأكيد فلو كان الأخير، لما أصدرت دار النشر الكتاب، الذى يمر بمراحل عديدة حتى لحظة الطباعة.