العنوان صادم، ولكنه يعبر عن الحقيقة المطلقة، التى تؤكدها الأقوال والأفعال، فدائما وأبدا تتبنى الولايات المتحدة الأمريكية المواقف الإسرائيلية، وباستمرار تقف حائط صد بـ"الفيتو العنصرى" أمام أى إدانة بمجلس الأمن ضد الممارسات القمعية والوحشية التى ترتكبها إسرائيل فى حق شعب فلسطين الأعزل الذى لا حول له ولا قوة، وقد كانت جملة الرئيس الأمريكى جو بايدن "لو لم تكن إسرائيل موجودة، لكان علينا اختراعها" كاشفة عن مدى العلاقة الراسخة والممتدة بين واشنطن وتل أبيب، وأكدت هذه الجملة المنهج الراسخ لحكام البيت الأبيض منذ نكبة 1948 وإعلان قيام الكيان الصهيونى وحتى الآن، حيث يتسابق كل رؤساء أمريكا على إظهار ولائهم وتفانيهم فى حب إسرائيل، وغض الطرف عن التصرفات الهمجية والأفعال الشنيعة التى ترتكبها إسرائيل وتتناقض مع أى قيم أو مبادئ أخلاقية أو إنسانية تحاول أمريكا دائما أن تتفاخر بها على غير الحقيقة.
لا أدرى ما هو السر الخفى لهذا الدعم غير المحدود من أمريكا لتلك الدولة العنصرية طوال تاريخها، تتبنى مواقفها، وتتحدث بلسانها، وتدعمها ماديا بلا حساب، وعسكريا بلا حدود، لدرجة أنك تستطيع أن تطلق عليها اسم الولايات المتحدة الإسرائيلية، فقد احتار كثير من المحللين فى كنة وطبيعة تلك العلاقة المتشابكة، وكيف تسير تلك الدولة العظمى مغمضة العينين وراء هذه الدويلة التى تدمر عن جدارة كل الأفكار التى يتفاخرون بأنها أساس الدستور الأمريكي، مواقف مخزية مستمرة لأمريكا جراء ما تفعله إسرائيل، فدائما تأتى المقارنة بين ما تنادى به واشنطن وتحاول إقناع العالم بأنها حامى حمى الحريات وحقوق الإنسان، ثم لا تلبث أن تسكب ماء وجهها أرضا بعد أن تؤيد كل ما تقترفه إسرائيل ضد شعب فلسطين الأعزل المغلوب على أرضه، والمنتهك عرضه.
ولقد احتار الكثيرون فى كيفية تلك العلاقة المتشابكة، بين أمريكا وإسرائيل، فذهب البعض إلى أن هذا التمازج الكبير بين الدولتين يعود للتشابه فى نشأة كلتيهما، والشبه الشديد بينهما فى التكون والمنهج، فالمجتمع الأمريكى نشأ كمجتمع استيطاني، قام على فكرة الاستيلاء على الأراضى الخاصة بالسكان الأصليين والتى شهدت عقودا من التنكيل بهم والاستيلاء على أراضيهم ومزارعهم وممتلكاتهم، فالمجتمع الأمريكى قوامه المهاجرون الذين تركوا أوطانهم ليأتوا إلى العالم الجديد، فاستولوا على الأراضى عنوة واغتصابا وطردوا منها سكانها الأصليين، وهى نفس الفكرة التى قامت عليها إسرائيل، ولذلك تجد أن أمريكا ترى فى إسرائيل صورتها المصغرة وتذكرها بنشأتها وكيفية تكوينها، وبالتالى تتبنى وتنحاز إلى إسرائيل فى كل المواقف، رغم أنف الإنسانية والقوانين الدولية.
سبب آخر ساقه البعض لتبرير الانسياق الأعمى لأمريكا وراء إسرائيل، هو تحكم "اللوبى الصهيوني» الموالى لإسرائيل، فى قرار البيت الأبيض والكونجرس بغرفتيه، ويضم هذا اللوبى المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى مثل «أيباك» والمجموعات المسيحية الصهيونية ويعمل على تحقيق مصالح إسرائيل والتأثير على السياسة الأمريكية فى اتجاه مؤيد للدولة العبرية، لدرجة اعتراف الرئيس بيل كلينتون بأن "إيباك هى أفضل من أى طرف آخر يمارس الضغط فى واشنطن"، وتتمثل قوة اللوبى الصهيونى بقدرته على التأثير فى الانتخابات الأمريكية، وحشد الدعم المادى والعينى واللوجيستى لمرشحين بعينهم وتسهيل وصولهم للمناصب الكبرى، فى الوقت الذى يناصبون العداء لأى صوت يخالف وجهة النظر الإسرائيلية أو ينتقد أفعالها، لدرجة أن معظم أعضاء مجلسى النواب والشيوخ يدركون أن محاولة أى عضو للحد من الدعم الأمريكى اللا محدود لإسرائيل كمن ينتحر سياسيا.
كما يذكر البعض سببا آخر لانحياز أمريكا الواضح لإسرائيل، يتعلق بهوية الدولة الأمريكية، فمن المعلوم أن الشعب الأمريكى فى معظمه بروتستانى متدين يشترك فى خلفيته الدينية إلى حد بعيد مع العقيدة اليهودية التلمودية، لدرجة بروز مصطلح "المسيحية الصهيونية" التى يتبنى اتباعها فكرة إقامة كيان يهودى فى فلسطين، تمهيدا للعودة الثانية للمسيح، لدرجة أن الرئيس "جيمى كارتر" أعلنها صراحةً فى خطاب له أمام الكنيست عام 1979 "أن العلاقة بين أمريكا وإسرائيل هى علاقة دينية فى الأساس".
الخلاصة، أن من يستند إلى أمريكا كطرف محايد فى عملية السلام فهو واهم، ومن يعتقد أن الحكومة الأمريكية ستكون حكما عادلا فى القضية الفلسطينية فهو يعيش أحلام اليقظة، فأمريكا لن تتخلى عن الانحياز إلى إسرائيل دائما وأبدا، ولن يطرف لها جفن من رؤية الدماء التى تتدفق فى غزة، والشيوخ والنساء المدفونين تحت الأنقاض، ولن تتأثر برؤية الأطفال الأبرياء وهم يقتلون وفى أيديهم كسرة خبز، بل كل ما يهمها هو الحفاظ على الدولة الإسرائيلية، وتجييش الجيوش وحاملات الطائرات والفرقاطات لبث الطمأنينة والأمان فى قلب الشعب العبرى، حقا إنها الولايات المتحدة الإسرائيلية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة