عندما نرصد كل ما حولنا من متغيرات جذرية، نجد أحداثا متلاحقة وغير متوقعة.. إذا انتابتنى فكرة الضد أو العكس لتتبلور الفكرة لكتابة سلسة مقالات تحمل عنوان ماذا لو!؟
ليكن الهدف من هذه المقالات هو توضيح الرؤية ومعرفة الفرق قبل وبعد القضية المطروحة أيا كانت من مختلف الزوايا، وتقدير الجهود المبذولة من قبل جميع الأطراف، للحفاظ على أنفسنا وبلدنا من تبعيات هذه الأحداث وتبعياتها .
لعل الصراع القائم بين روسيا وأوكرانيا جاء كاشفا للتحالفات العالمية ليس سياسيا فقط وإنما اقتصاديا أيضا، فهو ضربة قوية للاقتصاد العالمى أضرت بالنمو ورفعت الأسعار وزادت من التضخم العالمى بشكل غير مسبوق .
فإذا تناولنا الموضوع من الجانب الإنسانى ماذا لو لم تقم الحرب؟، لما وجدنا كل هذه المعاناة الحقيقية والكارثة الإنسانية الكبرى التى أثرت على الاقتصاد العالمى بكل الأشكال، وذلك من خلال ثلاثة محاور رئيسية، أولا: ارتفاع أسعار السلع الأولية كالغذاء والطاقة مما أدى إلى زيادة سريعة فى التضخم أدى بدوره إلى تآكل قيمة الدخول وإضعاف الطلب بل وقلة الإنتاج .
أما المحور الثانى فهو خاص بالاقتصاد التابع للدول المجاورة بصفة خاصة، فلو لم تقم هذه الحرب لما وجدنا تصارع وانقطاعات فى التجارة وسلاسل الإمداد وتحويلات العاملين فى الخارج، كما ستشهد طفرة تاريخية فى تدفقات اللاجئين.
والمحور الثالث، فلم تتراجع ثقة مجتمع الأعمال وزيادة شعور المستثمرين بعدم اليقين مما أدى إلى إضعاف أسعار الأصول، وتشديد الأوضاع المالية، وربما لم يكن هناك خروج للتدفقات الرأسمالية من الأسواق الصاعدة ولا ارتفاع فى الأسعار العالمي، ولاسيما أسعار النفط والغاز الطبيعى .
كما لم تشهد تكاليف الغذاء قفزة فى ظل المستوى التاريخى الذى بلغه سعر القمح، حيث تسهم كل من أوكرانيا وروسيا بنسبة 30% من صادرات القمح العالمية.
وإذا نظرنا إلى ما هو أبعد من التداعيات العالمية، لوجدنا أن البلدان التى ستشعر بمزيد من الضغوط هى تلك التى لديها علاقات تجارية وسياحية وانكشافات مالية مباشرة.
أما الاقتصادات التى تعتمد على الواردات النفطية، فسوف تسجل معدلات عجز أعلى فى المالية العامة والتجارة وتشهد ضغوطا تضخمية أكبر، وإن كان ارتفاع الأسعار قد يعود بالنفع على بعض البلدان المصدرة للنفط والطاقة مثل البلدان فى الشرق الأوسط وإفريقيا.
وعلى المدى الأطول، قد تفضى الحرب إلى تبديل النظام الاقتصادى والجغرافى السياسى العالمى من أساسه إذا حدث تحول فى تجارة الطاقة، وأُعيدت تهيئة سلاسل الإمداد، وتجزأت شبكات المدفوعات، وأعادت البلدان التفكير فى حيازاتها من عملات الاحتياطي.
ماذا لو لم تقم الحرب، لما أثرت على بلدان العالم أجمع مثلا أوروبا لم يطالها كل الخسائر التى تتكبدها ولم يحدث الركود العميق الحالى بها من انخفاض سعر الصرف الذى أدى إلى مزيد من تراجع مستويات معيشة السكان، لأن الطاقة القناة الرئيسية لانتقال التداعيات فى أوروبا حيث تشكل روسيا مصدرا أساسيا لوارداتها من الغاز الطبيعي، مما ترتب على ذلك أيضا حدوث انقطاعات فى الإنتاج وسلاسل الإمداد.
أما آسيا الوسطى
فلو لم تقم الحرب لما وجدنا هذه البلدان فى حالة تجمد وركود، ولما طال التجارة من تعثر نظرا للحد من تحويلات العاملين فى الخارج والاستثمار والسياحة، مما أضر بالنمو الاقتصادى وأثر سلبا على التضخم والحسابات الخارجية وحسابات المالية.
أما أفريقيا واﻟﺸﺮق الأوسط، فلولا قيام هذه الحرب لما حدث ارتفاع لأسعار الغذاء والطاقة وضيق الأوضاع المالية العالمية.
ومن هنا أستطيع أن أقول، إنه قد لا تتضح الصورة الكاملة لبعض الآثار لسنوات طويلة، إلا أن هناك بالفعل علامات واضحة على أن الحرب وما أفضت إليه من قفزة فى تكاليف السلع الأولية الضرورية ستزيد من المصاعب خلال الفترة القادمة فى بعض البلدان، لتحقيق التوازن الدقيق بين احتواء التضخم ودعم التعافى الاقتصادى من أخطر جائحة لم تكن متوقعة .
ورغم كل هذا فقد استطاعت مصر احتواء تبعيات هذا التضخم، واتخاذ حزمة من القرارات الاقتصادية التى تنهض بالإاتصاد المصرى على كل الأصعدة، بل والتأكيد على أن تكون مصر دولة صناعية كبرى فى مختلف المجالات، واستغلال موقعها الاستراتيجى وموانئها وعمالتها لأنها بوابة أفريقيا والشرق الأوسط .. القادم أفضل بالعمل والصبر والاجتهاد .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة