هناك أمران مهمان يتعلقان بالثقافة والمثقفين، الأول أن ممارسة الفن حمالة أوجه، وكل كاتب يملك فى ذهنه مفهومًا للفن، قد يتفق فيه مع الآخرين وقد يختلف معهم، وثانى الأمور أن المثقف أو المشغول بالثقافة ليس من الضروري أن يعرف كل شيء، وليس مطالبا أن يحيط بكل شيء، فالكاتب الروائى لا يعيبه أنه لا يعرف النقد ومدارسه وأساليبه، وعليه أن يقول إن سئل في ذلك لا أعلم.
أقول ذلك بمناسبة أن الكاتب أحمد مراد أثار جدلا عندما تحدث فى أحد البرامج عن الفرق بين الرواية والقصة القصيرة، فذهب إلى أن الاشتقاق اللغوى هو الذى يوضح الفارق بينهما، ويقصد أصل الكلمة فى المعاجم، ولنا أن نقول إن أحمد مراد كان عليه ألا يقترب من هذه المنطقة، وكان له أن يتحدث عن الشكل، عن البناء والشخصيات والزمان والمكان، عن الحجم، وغير ذلك مما يقبل الصواب والخطأ، وكان عليه أن يبتعد عن اللغة.
قال أحمد مراد إن أصل كلمة رواية "مروية" وذلك غير صحيح بل هى "روى" وهى فى المعاجم تدور بين معنيين "السقاية" و"الحكى والإخبار"، فروى الحادثة أى نقلها وتحدث بها وأخبر عنها، وقس على ذلك.
وهناك ملحوظة خطيرة جدا فيما قاله أحمد مراد عندما ربط الرواية بالخيال والكذب، وهى أن التراث الإسلامى يربط بين الرواية والأحاديث النبوية، فيقول رواه فلان، ورواية فلان، أى أنه حسب الاستخدام ترتبط بالصدق وليس بالكذب والهزار، لأن التراث الإسلامى كله يتعامل مع ما رواه الإمام البخارى – مثلا – بأنه صادق تمام الصدق.
أما القصة، ففعل القص يعنى الإخبار أيضا، وجاء فى لسان العرب "القص: فعل القاص إذا قص القصص. يقال: فى رأسه قصة يعنى الجملة من الكلام، ونحوه قوله تعالى: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) أى نبين لك أحسن البيان.
أما ما قاله أحمد مراد عن "تتبع الأثر" فهو مرتبط بـ "القاص" عند العرب قديما، يقال قصصت الشىء إذا تتبعت أثره شيئاً بعد شىء، ومنه قوله تعالى (وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ)، وهو معنى بعيد تماما عما تحدثت عنه الحلقة فى البرنامج.
ومن جانب آخر الرواية والقصة القصيرة خضعت عبر التاريخ الثقافى لتغيرات وتبدلات فى المفاهيم والمعانى، وصار لهما معانٍ كثيرة فى الدين والسياسة والاجتماع والأدب، وعلى من يتصدى للحديث عنهما أن يكون ملما بكل ذلك، أو يختار من الحديث ما يعرفه فقط ويركز عليه.