قبل أقل من شهر فى الرابع والعشرين من فبراير أكملت الحرب الروسية الأوكرانية عامها الأول، وخلال هذا العام بدا الأمر أبعد من حرب ثنائية، وأقرب إلى إعادة ترتيب أوراق النفوذ، وعلى مدار عقود لم تتوقف التفاعلات فى السياسة والاقتصاد، انتهت الحرب الباردة الأيديولوجية لكنها لم تنته على مستوى ترتيبات النفوذ والتنافس. الصين تصعد كقوة اقتصادية صناعية وتجارية، توسع من شراكاتها نحو أسواق أكثر، ثم أتبعت ذلك بدور سياسى محسوب، بجانب علاقات مع كل أطراف المنطقة، وكانت الصين بمناسبة مرور عام أعلنت عن مقترحاتها للسلام فى أوكرانيا تضمنت 12 بندا، ركزت على 4 محاور أساسية، الدعوة إلى المفاوضات بين الطرفين فى أسرع وقت ودعوة المجتمع الدولى لتسهيل هذه المفاوضات وتهيئة البيئة المناسبة لنجاحها، ورفض استخدام الأسلحة النووية أو التلويح باستخدامها، والتركيز على الجانب الإنسانى وضرورة حماية المدنيين، ودعم إدخال المساعدات الغذائية اللازمة إلى مناطق الصراع، والتركيز على تحييد الاقتصاد وعدم استخدامه أداة فى هذه الحرب، لما لذلك من انعكاسات كبيرة على الأمن الغذائى العالمى، ودعت المبادرة إلى احترام اتفاق تصدير الحبوب وعدم استخدام سلاح الطاقة ورفض فكرة العقوبات الاقتصادية التى تؤثر فى المدنيين.
الطرح الصينى لم يلق اهتماما كبيرا من الولايات المتحدة وأوروبا، لكنه كشف عن تحول لموقف الصين تجاه الأزمة التى تلقى بظلالها على الاقتصاد العالمى، بجانب إشارات أوروبية للصين بدعم روسيا بالسلاح، بينما تتمسك بكين بأن موقفها هو الحياد الإيجابى فى الحرب.
لكن الدور السياسى لبكين يظهر فى أكثر من تحرك، حيث أعلنت المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، وإعادة فتح سفارتى البلدين وممثلياتهما خلال 60 يوما، بعد محادثات برعاية صينية، وجاء الإعلان فى بيان ثلاثى مشترك، صدر عن البلدين والصين الشعبية، تضمن تأكيد البلدان الثلاثة على احترام سيادة الدول وعدم التدخل فى شؤونها الداخلية. واتفق البلدان على أن يعقد وزيرا خارجيتيهما اجتماعا لتفعيل مضمون البيان وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما.
الإعلان وجد ترحيبا من أطراف عديدة خاصة الأطراف الدولية والإقليمية والأممية، حيث رحبت الدول العربية من العراق والإمارات وعمان والمنظمات العربية، وثمنت مصر نهج المملكة العربية السعودية، فى استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وقال المستشار أحمد فهمى، المتحدث الرسمى للرئاسة «إن مصر تُقدر هذه الخطوة المهمة، وتُثمن التوجه الذى انتهجته المملكة العربية السعودية فى هذا الصدد، وأن النهج السعودى فى هذا الصدد من شأنه إزالة مواضع التوتر فى العلاقات على المستوى الإقليمى، كما يأتى تأكيدا على مبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة من حيث احترام سيادة الدول، وعدم التدخل فى شؤونها الداخلية، وترسيخ مفاهيم حُسن الجوار وتعزيز الأمن والاستقرار فى المنطقة»، وأكد المتحدث الرسمى «أن مصر تتطلع إلى أن يكون لهذا التطور مردود إيجابى إزاء سياسات إيران الإقليمية والدولية، وأن يشكل فرصة سانحة لتأكيد توجه طهران نحو انتهاج سياسة تراعى الشواغل المشروعة لدول المنطقة، ما يعزز من فرص التعاون وتوطيد التواصل الإيجابى فيما بينها، من أجل رسم مسار للعلاقات يلبى آمال شعوب المنطقة فى الازدهار والتقدم».
بالطبع فإن هذا الاتفاق يسهم فى تخفيف التوتر، ويتيح حل الكثير من التشابكات فى الدول العربية التى تواجه تأثيرات الحرب والصراع، وهو أمر من شأنه أن يمهد الطريق لخفض التركيز على الصراع، ودعم مسارات سياسية معطلة، ويساهم فى تخفيف حدة التوتر ويتيح فرص التنمية ويمكن أن تكون له تأثيرات اقتصادية كبرى، بجانب تأثيراته السياسية، من حيث خفض التوترات ويضاعف من فرص السلام.
وعلى مدى الشهور الماضية كانت هناك خطوات لبناء علاقات سياسية واقتصادية بين أطراف مختلفة بالمنطقة، بل إن شهر ديسمبر الماضى شهد انعقاد القمة العربية الصينية الأولى بالرياض، والتى جاءت نتاجا لتفاعلات مستمرة على مدى عقود، ضمن إعادة بناء نظام عالمى جديد يتناسب مع تأثيرات القوة والنفوذ الاقتصادى فى العالم، وكان إعلان الرياض الذى صدر فى ختام القمة العربية الصينية الأولى، تحولا فى العلاقات الاقتصادية العالمية، والعربية، وبقدر ما كان الاقتصاد هو العامل الأساسى للتفاعل فى القمة العربية الصينية، كانت السياسة فى خلفية الصورة، باعتبار الصين قوة لها تأثير فى القرار الدولى، يمكن أن يلعب دورا فى إعادة توازن السياسة الدولية، وإحلال السلام ووقف الصراعات، وقد جاءت كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى القمة، واضحة فى الدعوة لإقرار نظام عالمى أكثر عدالة، بناءً على مبادئ الشراكة والتعاون، مع الحرص على عدم تسييس القضايا الحقوقية والاقتصادية، وعدم التدخل فى شؤون الدول، وهى نقاط تضمنها البيان الختامى للقمة العربية الصينية.
ولم تمر شهور ثلاثة حتى تم الإعلان عن عودة العلاقات السعودية الإيرانية برعاية صينية، بما قد يعنى أوراقا فى العلاقات الدولية والإقليمية، قد تساهم فى خفض التوترات، وتحل فى فراغات النفوذ التى نشأت من انسحاب أمريكى، أو عجز دولى عن التدخل فى أزمات متتالية، وبالرغم من الترحيب الأمريكى بالبيان السعودى الإيرانى، تتجه التحليلات إلى اعتبار ما جرى بمثابة اختراق صينى، خاصة أن بكين كانت أحد الأطراف التى طرحت مبادرة لوقف الحرب الروسية الأوكرانية، فيما يبدو خطوة من خطوات تعيد ترتيب أوراق القوة والنفوذ والبحث عن سلام وسط حروب وصراعات لم تتوقف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة