حازم حسين

ضرب نار.. سهولة مقصودة وإخلاص فى صناعة «فرجة شعبية»

الخميس، 13 أبريل 2023 12:36 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
دراما تبدو مألوفة، وشخصيات ليست غريبة عنك تماما.. إبحار فى عالم الحكى الشعبى دون تخلٍّ عن الأجواء المخملية وعوالم رجال الأعمال بما تُتيحه من ثراء فى الصور والحكايات، والبداية ببطل قادم من أبعد نُقطة عن مركز الأحداث، ورحلة صعود اجتماعى محفوفة بالخطر والمُغامرة، وسرد خطّى لا يعمد إلى الإدهاش فى تقنيات الحكى، وإنما يستدعى مشاهده ليعيش الحكاية بالترتيب من بدايتها إلى نهايتها، بقدر وافر من المشاعر والتحديات والنقلات الدرامية والعاطفية غير المُبررة أحيانًا، وخطوط فرعية تحضر كحبّات الكريز على وش التورتة.. باختصار أنت أمام دراما «بوب آرت» رهانها الشعبية والانتشار من بوابة التسلية والإمتاع.
 
يُقدّم مسلسل «ضرب نار 2023» حكاية مُسليّة بمكوّنات وفواعل درامية كافية للنجاح، أوّلها نجومية «ياسمين والعوضى» وأثر تجربتيهما السابقتين: «لآخر نفس 2019» و«اللى ما لوش كبير 2021»، ثم أجواء الصعيد وتشابكها مع عالم رجال الأعمال والخارجين على القانون، وقصة الحب المشغولة بخيوط الصعود الطبقى، وإلى جانب ذلك يرتكز إلى رصيد عاطفى فى قلوب المتلقين باستلهام أجواء فيلم «الهروب». تبدو شخصية أحمد زكى حاضرة فى حدّتها واستقامة منظورها القيمى وهوايتها مع الطيور الجارحة ثم اصطدامها بالخيانة وجاذبيتها للنساء، وكلها تفاصيل شخصية «جابر»، فضلا عن اعتماد مذهب الفيلم فى إنتاج الدلالات، فالبطل المهزوم اسمه «منتصر»، والراقصة/ فتاة الليل اسمها «صباح»، وفى المسلسل أيضًا يبدو «جابر» مكسورًا، و«مهرة» مُكبّلة أكثر من كونها فرسًا حَرونًا، و«زيدان» كتلة نقص، وشقيقته «صفاء» أبعد ما يكون عن الصفو، والزوجة «يُمنى» نموذجًا فجًّا للانحراف، وقاطع الطريق «رعد» ليس له من اسمه أى نصيب.
 
السيناريو مُحمّل بأثقال حكائية لم يستفد منها بالشكل الأمثل، إذ تبدو كثير من التفاصيل والخطوط الفرعية أقرب إلى مُشهّيات تُعزّز المذاق الحار للحكاية؛ لكنها لا تدفعها إلى الأمام، والسبب أن «جابر» هو الغاية فى ذاته، وليست الدراما الحاملة له. ناصر عبدالرحمن مفتون بالصعيد وأجوائه فى أغلب أعماله، وهو إمّا يتخذ من فضائه مُرتكزًا لانطلاق الحكاية ونموّها، أو يستعير قيمه وشخوصه لتنصيبهم فى مجال اجتماعى آخر، بما يسمح له بإدارة الصراع فى عالم يعرف ملامحه جيدا، ولا يُفقده بهارات الجنوب المُتّسقة مع قناعاته الفنية.. يبدو من أعماله أيضًا أنه يُحب الدراما المحتدمة ويميل إلى الصراعات الخشنة، من هنا يتراجع اهتمامه بالمستويات النفسية وبالاشتغال على الأبعاد الجوّانية، وإن حضرت فإنها تكون مدخلا لحالة ميلودرامية أو طمعا فى إثارة عاطفية.. وصفة «ناصر» تبدو حاضرة بكاملها فى المسلسل.
 
مركزية «جابر» بدت واضحة فى الحكاية وفى معالجتها بصريًّا؛ إذ يُهيمن على مفتتحها ومفاصلها ولحظات ذروتها، حتى حينما لا يكون مُنتجًا لأعلى حالاتها حدثيًّا أو شعوريًّا. الكاميرا حاضرة دومًا من أجله، والكادر كأنه برواز حول صورته، والجميع من لصوص ومجرمين وقُطّاع طرق يتضاءلون أمامه حتى أن زعيم العصابة «رعد» يبدو فأرًا مذعورًا بين يديه.. هذه الحالة من «التبئير البصرى» إن جاز التعبير اشتغلت على مسارين: إبراز الشخصية داخل الحدث/ «العوضى» فى المسلسل، ومحاولة اصطناع حالة يتورّط المتلقون عبرها فى التوحّد معه، من أجل التعاطف أو الانحياز العاطفى تجاه المسار الصاعد لنمذجة «جابر» فى سياق بطولة شعبية مُغرية لجمهور الشارع المُستهدف.. هكذا يمكن القول إن ياسمين نجمة العمل تسويقيًّا، لكن العمل نفسه ينحاز إلى العوضى.
استند السيناريو إلى المصادفات بدرجة مسّت بنية الدراما وعضوية العلاقة بين مفرداتها، وبدا شىء من خفوت المنطق فى رسم أحداث محورية، مثل النجاح فى إخفاء ابن مُهرة عن عائلة زيدان، والحمل المفاجئ رغم استخدام وسائل منع، وعلم الأخت بخيانة زوجة شقيقها سنوات دون موقف، وتحولات شقيقى مُهرة وعدم اكتشافها لانحرافهما إلا بعد 5 سنوات.. تلك الفترة تحديدًا تُثير السؤال من باب آخر، فقد أسقطتها الدراما من عُمر «مهرة» تماما، ما جعل تحوّلها لاحقا إلى العمل أو طموحها فى الثروة أو صراعها مع شقيقة زيدان وزوجته الأولى مواقف غير مُبرّرة، بل وتحوّلات «جابر» نفسه وتبدّل منظومة قيمه مُقارنة بُمقدّمات الشخصية وعلاقتها بالأم، ثم الخطوط الفرعية الخفيفة مثل فتاة عربة الكبدة أو شاب السايبر الذى يُصبح سمسارًا لدى داعش، وإثارة كل القضايا المُغرية كالخيانة والثأر والدواء المغشوش وتجارة السلاح.. مفتاح الزحام فى رهان الطبخة الشعبية الحرّاقة، ووضع البطل ضمن سياق مُحتدم وملىء بالخشونة، ووضع المسلسل نفسه على موائد الجميع بمغازلة كل الاهتمامات، ولعل أبرزها فكرة الصعود الاجتماعى: السهل لدى «مهرة» بالزواج، والصعب لدى «جابر» بصراعات العصابات.
 
انطلاقا من رهان الحكاية على أسطرة «جابر»، لا تبدو بقية الشخصيات إلا مفاتيح أو درجات سلّم لتصعيد الحكى فى خدمته، من هنا رُسمت أغلب الشخوص من السطح دون تعمّق أو مساحات نفسية تسمح بالتنوّع وتلوين الأداء، لكن بدا حضور بعض المُمثّلين لامعًا: سهير المرشدى فى دور الأم/ المعادل للأرض، ومها نصار وإيمان السيد صديقتا مهرة، وزينة منصور صاحبة البيت اللعوب، وهشام المليجى زميل السجن وتجارة السلاح، ومن الشباب تيسير عبدالعزيز وأحمد غزى وإسراء رخا.. إجمالا كان التشخيص هادئًا ومُكمّلاً لحالة الفُرجة التى استهدفها العمل، إلى جانب إجادة «العوضى» للهجة بدرجة ملفتة، والحضور الوازن بصريًّا وأدائيًّا لياسمين وماجد المصرى وانتصار.
 
العناصر البصرية حققت أهدافها دون اهتزاز أو مبالغات، فكانت الأزياء مُخلصة لأقرب تصوّر ممكن عن الحكاية، والديكور مُنتجًا لمفارقاتها بصريًّا دون استعراض أو محاولات للظهور المنفرد، وجاء المونتاج مريحًا ومُتّسقًا مع إيقاع الحكاية وإن ارتبكت قطعاته أحيانًا بين تسارع غير مُبرر أو تأخير غير دالٍ.. الحالة نفسها حضرت فى الصورة المسؤول عنها مديرا تصوير، ورغم عدم وضوح آلية تقسيم العمل بينهما فقد بدت روح اللقطات مُختلفة أحيانًا فى أجوائها وتكويناتها وعلاقات الكُتل وحالات الإضاءة، وإن عُولج الأمر نسبيًّا فى التلوين والتصحيح. فضلا عن كثافة حركة الكاميرا للإيحاء بالتوتر أو صنع إيقاع بصرى يُواكب أو يشدّ الإيقاع، وكانت موسيقى محمود طلعت واحدة من أبرز عناصر العمل بتنقّل ناعم بين حالات الدراما وأداء لم يخلُ من نكهة شعبية تتناغم مع رهان العمل! إجمالاً قدّم «ضرب نار» فُرجة مُمتعة، تتكامل عناصرها بالقدر الذى يُحقّق الرهان ويُبرز المقصود إبرازه ولا يخلو من الجمال، وهى فرجة شعبوية النكهة لا تدّعى شيئًا أكثر من أنها محاولة مُخلصة جدًّا للتسلية والوصول إلى قلوب جمهورها المُستهدف.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة