بالطبع سمعنا عن قضية خلق القرآن، وهى واحدة من أشهر القضايا الفكرية فى التاريخ الإسلامي، لكنها للأسف خرجت من كونها قضية فكرية لتصبح "قضية سياسية"، وقد كان وراء هذا التحول الرهيب شخص المفروض أنه رجل دين يدعى أحمد بن أبى دؤاد.
كان أحمد بن أبى دؤاد، صاحب فكر معتزلى، والمعروف أن المعتزلة أصحاب فكر يعمل العقل ويدعو للحرية ولا يقهر الآخرين، لكن أحمد بن أبى دؤاد أثبت عكس ذلك، فهو عندما أصبح مقربًا من الخليفة المأمون، وصار قاضى القضاة، أراد أن يفرض آراء المعتزلة، أراد أن يفرضها بالسيف، لذا كانت محنة خلق القرآن، والتى عانى منها المسلمون ويكفى أن أقول لك ممن عانوا كان الإمامين أحمد بن حنبل والبخاري.
والمتابع لحياة بن أبى دؤاد سيعرف أنه خلط فعل الدنيا بفعل الآخرة، وسعى للبحث عن مكانة عند الحكام وفى سبيل ذلك ضحى بالكثير، وكان الأخطر هو إثارته للفتنة بين أصحاب الدين الواحد، فعلى مدى عشرين عاما، وبداية من سنة 218هـ اندلعت الفتنة وتعاقب عليها ثلاثة خلفاء المأمون ثم المعتصم ثم الواثق، حتى جاء المتوكل فأوقف كل شيء.
ولعل من الواجب توضيح المقصود بمسألة خلق القرآن، إنها قضية فكرية قال بها المعتزلة، إذ يرون أن القرآن مثله مثل كل مخلوقات الله سبحانه وتعالى مخلوق، ورفضوا القول بأن القرآن كلام الله، وصار السؤال: هل القرآن قديم قدم الحياة والنشأة، مجيد ومحفوظ فى اللوح منذ اليوم الأول لخلق الكون، ملازم مع الله "غير مخلوق"؟ أم هو "محدث ومخلوق مع الأحداث والوقائع؟ وتحول الأمر إلى محنة كبرى؟
كان من الممكن أن تظل هذه القضية فكرية يتحاور فيها أهل العقل والنقل، لكن بن أبى دؤاد خرج بها إلى الشارع فحولها إلى أزمة كبرى، وقد كان المعتزلة هم أول الخاسرين منها، فعندما أوقف الخليفة المتوكل القول فى "خلق القرآن" استبعد المعتزلة من مكانتهم التي كانوا قد وصلوا إليها ومع الوقت لم يأخذوا مكانتهم مرة أخرى وصار الناس ينظرون إليهم باتهام دائما وبالتالي خسرنا الكثير من الأفكار العقلية التي كانت مفيدة في تراثنا.
وملاحظة أخيرة : وجب القول إن الخليفة المأمون كانت المسألة عنده فكرية، لكن بعد موته ومجيئ المعتصم - وللأسف لم يكن على المستوى الفكرى لأخيه المأمون - أخذ الموضوع على محمل الجد والحسم وأعمل السيف والقهر، وقد لا يعرف الكثيرون أن التعذيب الذى تعرض له الإمام أحمد بن حنبل كان فى زمن المعتصم وليس المأمون.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة