محمد أحمد طنطاوى

سدس الخير

السبت، 16 سبتمبر 2023 08:27 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

سِدس الأمراء، هكذا لمع اسمها في الصحف، ووكالات الأنباء ونشرات الأخبار، بعد زيارة الرئيس السيسي التاريخية لها، لكني أفضلها "سس" كما ينطقها أهل القرية ومن يجاورهم في القرى المحيطة، بدون الدال، كنوع من التخفيف، أو هكذا صارت اللهجة التي تميز قرى بني سويف ومراكزها المختلفة، خاصة تلك التي تقع جنوب المحافظة، يتكئون على بعض الحروف أحياناً، أو يتجهون إلى تطويل بعضها أحيان أخرى، بحكم البيئة والثقافة والموقع الجغرافي، في تلك المحافظة التي تعتبر حلقة وصل بين الصعيد والقاهرة، لكن على كل حال "سدس" يعرفها الجميع من كل حدب وصوب، ولها صيت وشهرة منذ زمن طويل، ارتبط بالفتح الإسلامي وجيوش عمرو بن العاص التي جاءت إلى صعيد مصر، كما أن بها العديد من الأضرحة لأولياء صالحين، يقصدها أهالي القرية ومن حولهم بين الحين و الآخر.

قريتي لا تبتعد عن "سدس" أكثر من 4 كيلو مترات، وقد عرفت طريقي إليها في الشباب المبكر، وتحديداً المرحلة الثانوية، فقد كانت مركزاً لأهم أساتذة الرياضيات والفيزياء والكيمياء على مستوى مركز ببا، ولم يكن بالقرية حينها مدرسة ثانوية، بل كان أبناؤها يتجهون إلى مدرسة الشهيد عبد المنعم رياض، الثانوية بنين، أو فاطمة الزهراء الثانوية بنات، كما الحال في باقي قرى المركز، إلا أن أبناء سدس تجدهم في كل الفصول بأعداد كبيرة وحضور مميز، جميعهم وحدة واحدة، يقفون صفاً متماسكاً أمام أي محنة أو طارئة.

سدس لها في القلب مكانة خاصة، أصدقاء ومعارف وزملاء وأصهار، بل وأساتذة، فما زلت أذكر الأستاذ جمال أنور، مدرس الرياضيات، الذي أعاد حبي إلى هذه المادة بعد سنوات من المقاطعة، وقد كان يتجه إليه الطلاب من كل مركز ببا، وأذكر أن القيمة الشهرية للدرس حينها كانت 15 جنيهاً فقط، في نهاية التسعينيات، واعتباراً من شهر يناير من كل عام كان الطالب يدفع 10 جنيهات فقط، خاصة من هم خارج "سدس"، رأفة بأحوالهم، خاصة أنهم يتحملون عناء المواصلات.

لا أعرف أين ذهب جمال أنور، لكن يظل دينه في رقبتي كمعلم وأستاذ وصاحب فضل، ونموذج لجيل من المعلمين الذين يقدمون الإجابات مشفوعة بالبراهين، فما أحوجنا الآن إلى هذا الجيل من الأساتذة، الذين يقدمون العلم كما ينبغي أن يكون، ويشرحون رسالته وأهدافه ومقاصده، بعيداً عن الحفظ الأعمى والتلقين العاجز، لذلك سأظل أحكى عن معلم الرياضيات الذي أحببت معه الأرقام "على كبر"، وأعاد اكتشاف موهبتي في هذه المادة.

الرحلة إلى سدس الأمراء لم تكن تستغرق أكثر من دقائق معدودات، تتوقف فيها السيارة مرة واحدة عند "سدس المحطة"، والثانية في البلد ذاتها، ولا نرى خلالها إلا الجناين والحدائق، التي كانت يمتلكها بهوات الزمن الماضي، بالإضافة إلى مزرعة سدس الشهيرة، التي تتميز بمركز أبحاث ومحطة غربلة بذور، ومعامل لإنتاج تقاوي المحاصيل الاستراتيجية، وأساتذة وعلماء في التخصصات الزراعية المختلفة، وقد كنت أشاهد قطعان من مئات الأبقار والجاموس تتحرك داخل المزرعة الشاسعة بنظام عجيب وكأنها مدربة بعناية.

"حياة كريمة"، هذه المبادرة الرئاسية الأضخم في تاريخ مصر، لتنمية القرى الفقيرة والمناطق المحرومة، غيرت وجه الريف في مصر، بإشراف مباشر من الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي دشن المبادرة ووجه كل الإمكانيات اللازمة لإنجاحها، من أجل تحسين جودة الحياة للمواطن، وإعادة النظر إلى الريف، الذي لم تمنحه الأنظمة السابقة الاهتمام الكافي، والتنمية المطلوبة.

سدس الأمراء تحولت إلى قرية نموذجية، بعدما وصلت فيها معدلات إنجاز مشروعات الصرف الصحي إلى 100% والغاز الطبيعي 100%، ومشروعات المياه والكهرباء 100%، وشبكات الألياف الضوئية وخطوط الاتصال بالإنترنت 100%، وكذلك مشروعات التعليم والمجمعات الخدمية الزراعية، فقد بات في القرية، مجمع خدمات على أعلى مستوى، ومركز شباب متطور، ومجمع مدارس، يضم 6 مدارس في مراحل تعليمية مختلفة، على مساحة 17 ألف متر مربع، يضم 156 فصل تعليمي، بالإضافة إلى وحدة إسعاف، ونقطة إطفاء، ونقطة شرطة، ومركز طب أسرة، وسوق حضاري على مساحة 600 متر، وموقف سيارات على مساحة 1000 متر، ومكتب بريد متطور، وطريق أسفلتي جديد يربط القرية بالكامل.

سدس الأمراء ينتظرها مستقبل مختلف، مع مئات القرى المصرية، التي شملتها يد التطوير والتنمية بفضل دعم الرئيس عبد الفتاح السيسي لمشروع حياة كريمة، ورؤيته الواعدة نحو تطوير الريف المصري، بصورة لم يشهدها من قبل.. كل الدعم لخطوات الدولة وجهودها في تنمية الريف المصري، وما يتم بذله في سبيل إنجاح هذه التحركات والمساعي الحميدة.







مشاركة



الموضوعات المتعلقة

دروس من حرب البسوس

الإثنين، 11 سبتمبر 2023 09:45 ص

التاكسي الأبيض وثقافة الاستغفال

الإثنين، 28 أغسطس 2023 09:34 ص

مضاربات الذهب.. حصاد بلا عائد!

الأحد، 13 أغسطس 2023 09:44 ص



الرجوع الى أعلى الصفحة