مع بدء العد التنازلي لموسم المدارس، والعادات الطقوس التي تلازم الأسر المصرية، وتبدأ من الرسائل الصوتية عبر "جروبات الماميز"، قد تصل إلى ربع ونصف ساعة، حتى "سندوتشات" الفينو والبانيه، التي أشعر أن الزيت يسيل منها على سطور هذا المقال، ويأكلها التلاميذ تحت ضغط الجوع الكافر، وقصر وقت الفسحة، والزحام الشديد، الذي لا يجد معه الطالب إلا الاحتماء بأقرب حائط، حتى يسد حاجته من الطعام.
أظن وبعض الظن حق، أن "سندوتشات" البانيه المقلية، وما على شاكلتها مثل البرجر والسجق والطعمية والبطاطس.. إلخ، تسببت في سمنة مفرطة لملايين الأطفال خلال السنوات الماضية، وساهمت في انتشار أمراض سارية لها عواقب وخيمة بالنسبة لمؤشر الصحة العامة، لذلك مهم جداً قبل بدء الدراسة أن نحاول تأسيس وعي عام حول التغذية الصحية السليمة لأطفال المدارس.
مخبوزات الدقيق الأبيض عامل مشترك في أغلب الأمراض التي يعاني منها المصريون، مثل السكر وضغط الدم وأمراض القلب، وهذا ليس تصور شخصي أو افتراض ذاتي، بل حديث طويل لدراسات علمية واسعة حول العالم، تحذر من مخاطر الدقيق الأبيض على الصحة العامة، خاصة إن كان استهلاكه مرتفع جداً كما الحال في مصر، التي يستهلك الفرد فيها سنوياً 182.5 كيلو جرام من الدقيق، وهو تقريبا ثلاثة أضعاف المعدل العالمي، وفق تصريحات منشورة لرئيس جهاز تنمية التجارة الداخلية في وزارة التموين.
يبلغ متوسط استهلاك الفرد من القمح عالميًا من 60 إلى 70 كيلو جرام تقريباً، وبذلك يصبح المواطن المصري هو الأعلى في استهلاك الدقيق، الذي تكون صورته النهائية عجائن ومخبوزات، وهذا يرتبط بعادات غذائية لها تاريخ طويل ممتد في الجذور المصرية، لا يرتبط فقط بقضية الفقر، كما يظن البعض، لكن له أبعاد ثقافية مهمة، إلا أن الشاهد في كل ما سبق أن نسب الاستهلاك مفزعة، وتترجمها على أرض الوقع انتشار الأمراض السارية بصورة متزايدة، لذلك بات مهماً أن ننظر للخبز بطريقة مختلفة، ونتعامل مع الدقيق بصورة أكثر احترازاً.
"الخبز ليس عيشاً"، هذه قاعدة مهمة يجب أن نتبعها للوصول إلى نظام تغذية سليم للأطفال والكبار، لذلك لا يجب أن يصبح الخبز حاضراً في كل الوجبات بالصورة التي نراها يومياً، فما زلت أرى علب الطعام التي يصطحبها تلاميذ المدارس مكدسة بأرغفة الفينو، فيأكلها الطفل الجائع، وتتحول إلى روتين يومي، نصل خلاله إلى مستويات سمنة غير محمودة العواقب، تترجم بعد عدة سنوات لأمراض القلب والضغط والسكر وارتفاع مستويات الكوليسترول في الدم.
أطفالنا أهم ما نملك، لذلك يجب أن تكون سلوكياتهم الغذائية سليمة وصحية، حتى نضمن لهم حياة أفضل وبالتالي مستقبل أفضل، فما زالت الحكمة تقول العقل السليم في الجسم السليم، وسلامة الجسم لن تصنعها سندوتشات اللحوم المصنعة أو شرائح اللانشون أو الجبن النباتي، أو الدهون المشبعة، فهذه الأطعمة تحمل مخاطر شديدة على صحة أطفالنا، لذلك يجب أن نعطي لأنفسنا الفرصة لاختيار أطعمة صحية تتناسب مع الفترات الطويلة التي يقضيها التلاميذ في المدارس، خاصة لهؤلاء الذين تقل أعمارهم عن 12 عاماً ويحتاجون رعاية ومتابعة من جانب الأسرة.
لست طبيباً أو متخصصاً في مجال التغذية، لكني متابع جيد لأنظمة الغذاء الصحية، وأمارس " الدايت " منذ فترة لا بأس بها، لذلك أنصح الآباء والأمهات أن يقدموا لأولادهم وجبات صحية تتناسب مع أعمارهم، وتحافظ على صحتهم، تبدأ من الفاكهة التي تحتوي على الفركتوز، الذي يعتبر غذاء المخ والمسئول عن نشاطه وحيويته مع الأكسجين، بالإضافة إلى البروتين الحيواني، مثل اللحوم والفراخ والبيض واللبن والزبادي، وكلها أشياء تصلح أن تكون مع الطفل في حقيبته.
لا أجد مانعاً أن يكون مع الطفل في "اللانش بوكس" قطعة فراخ مشوية أو شريحة لحم، أو بيضه مسلوقة، أو علبة زبادي، أو حتى بضعة ملاعق من الأرز، مع بعض السلطة الخضراء والفاكهة، والتخلي تماماً عن الخبز والفينو، والفكرة القاتلة التي تجعل دائماً طعام الطفل "سندوتشات"، لدرجة أن مخابز الفينو والعيش تنتعش بصورة واضحة خلال أيام الدراسة، فهذا لن يقدم نظاماً غذائياً سليماً للطفل على الإطلاق، خاصة إن كانت هذه السندوتشات تمتلئ بشرائح اللانشون والمقليات والبرجر و اللحوم المصنعة بأشكالها.
مهم جداً أن نفكر في الطعام الذي نقدمه لأولادنا كل صباح، فهذه قضية جوهرية وعلى قدر كبير من الجدية، بدلاً من الحديث عن "تفاهات" بداية الدراسة، التي يحصرها البعض في مستلزمات المدارس " السبلايز" والملابس، وأسعار الشنط والأحذية، والأقساط والمصروفات ، وتسليم الكتب، ومواعيد الحضور والانصراف وكثافات الفصول، وكل الجدل العقيم الذي يتكرر سنوياً بنفس الصورة دون تغيير، لذلك دعونا ننظر لبداية الدراسة هذا العام بصورة مختلفة وأن نضع خلاله نظاماً صحياً لتغذية أطفالنا، فهذه القضية مفتاح أساسي لنجاح العملية التعليمية، وتنعكس بصورة إيجابية مباشرة على أداء الطفل داخل الفصل ومستوى قدراته الذهنية والعقلية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة