وصف الروائي الليبي الكبير أحمد الفيتوري الكتابة بأنها "اليقظة" وليست "الوسن"، معتبرًا أنه لا سلطان للكتابة لأنها تأتي دون دعوة وأن "قماشة الكتابة" من نسج عيش الكاتب وحلمه ثم تصوراته وفعله.
وقال الروائي الليبي - في حديث لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم السبت، إن الرواية العربية تتميز بالصرح وبالفقد معا، وإن الترجمة سيدة وكل لغة عبد لهذه السيدة، معتبرًا أن اصطلاح "التنوير" غامض ومعتم في الثقافة العربية.
وتابع: "وجدت نفسي في الكتابة مثلما وجدتها في القراءة، لم أبحث المسألة، فقد كتبت ونشرت في الجرائد الحائطية التي قمت بتأسيسها في المدرسة الابتدائية، ثم انطلقت منذ نشرت أول مقال لي في جريدة الحقيقة الليبية، في السنة السادسة عشر من عمري، أي سنة إغلاق جريدة الحقيقة في عام 1971.. هكذا كشاب في مقتبل العمر كتبت ما تيسر لي، ولم التفت في مسألة النوع".
وأضاف: "لقد تورطت حتى وجدت نفسي أكتب ما أرى وأريد، واليوم حين ألتفت إلى ما كتبت لا أجدني معني كثيرًا بالجنس الأدبي، خاصة في زمن ما بعد الحداثة، حيث تلاشى الجنس الأدبي، لم تعد فروق واضحة وضوح شمس مضت، بين النثر والشعر.. بين السردية والسيرة والنص المفتوح وغيره".
والروائي الليبي أحمد الفيتوري ولد في مدينة بنغازي عام 1955 ، وساهم في تأسيس اتحاد الكتاب بليبيا وفرقة المسرح الحديث بمدينة بنغازي وغيرهما ، كما ساهم بالكتابة خاصة في النقد الأدبي بمجلة "الفصول الأربعة" التي يصدرها اتحاد الكتاب الليبيين، ونشر دراسات بعدد من المجلات العربية وأسس مدونة "سريب" التي تجاوز مطالعوها المليون في فترة وجيزة.
وفيما يتعلق بالرواية العربية ، قال الفيتوري:" الرواية العربية تتميز ما تتميز به الرواية جملة، حيث إن الرواية السلف هي ألف ليلة وليلة، ونظرية الرواية مسبارها أن ألف ليلة وليلة هي البئر الأولى ، كما أن من أحفاد الرواية ما وئدت في مهدها، المقامات، التي خصها قارئ مميز يدعى عبد الفتاح كيليطو ( كاتب وروائي مغربي) بالبحث ، فكم فقدت الرواية من أحفاد".
وأوضح أن الرواية العربية تتميز بالصرح وبالفقد معا، لأن الروائي عندما يكتب فإنه يكتب دون عائق غير أن يكون، لكن المتلقي تعوقه أحيانا أن الرواية العربية ، عربية أي مسألة اللغة، فالترجمة سيدة و"كل لغة عبدة لهذه السيدة الحرون".
وتابع: ثمة مسألة قديمة معروفة أن الأسلوب هو الرجل، وإن الرواية هي الراوي ثم تصبح بعد ذلك هي القارئ، وكما قلنا إن لكل قارئ رواية، فإن الكاتب الروائي لا تكون الرواية إلا حيث يكون: هو الراوي والراوي العليم .. ومن هذا هو الماء لأسماك الرواية، لشخصياتها، لكن هذا يوكد أيضا أن الأسماك أنواع، وأن كل سمكة شخصية تتميز عن غيرها".
وأشار إلى أن النقاد تحدثوا عن التناص ، فكيف لا يكون الروائي في روايته بكل تفاصيلها ، مشددا على أن الروائي الذي يلبس شخوصه ملبسا واحدا "تائه"، ويخلق متاهة لا رواية.
وصدر للروائي الليبي الفيتوري عدد من الروايات منها" سيرة بني غازي" و "سريب " و" بيض النساء" و" ألف داحس وليلة غبراء" ، كما صدر له في الشعر " دعاء الفيتوري " و"قصيدة حب متأبية " و " الذئبة تعوي في السرير الخاوي"، كما أن له العديد من الإصدارات في النقد منها "مبتدأ في الفكر والثقافة " و" قصيدة الجنود دراسة في الشعر الليبي" و" المنسي في الطين دراسات وبحوث" و" نهر الليثي كتابات في الشعر".
وحول تقييمه لمسار حركة التنوير في العالم العربي ، اعتبر الفيتوري أن التنوير وما شابه من اصطلاحات مسألة معتمة، بل غامضة في الثقافة العربية، مثلما سلفها مصطلح النهضة، ما تبدو اصطلاحات تطلق على عواهنها في كل لحظة استثنائية.. فتبدو كموضة تسوق لها الميديا، فيغوص فيها مفكرون وأشباههم قبل.
وتابع قائلا:" الدليل الدامغ أنه ليس ثمة مؤرخ قام بتأريخ ما دعي بالنهضة أو التنوير، ومن ثم قام باحث فدارس للمسألة، ليس ثمة تميز للتنوير عن النهضة، أي ما الوقائع التاريخية التي أحدثت هذه النقلة وما التمايز بين هذه وتلك.. هذا يجعلها تبدو كما أسماء أطلقت لتسبح في فضاء الميديا كما أشرت".
وحول إمكانية فتح الباب لعلاقة مستقبلية توافقية بين التنوير والعقلانية من ناحية، والدين والأبعاد الروحية للإنسان من ناحية أخرى وتأسيس نسق فكري مشترك، قال الروائي الليبي أحمد الفيتوري :" هذا سؤال إشكالي يجمع كل المتناقضات والمفاهيم، التي هي اختصاصات ومجالات كل واحدة تحتاج إلى عمر لأدلي بدلوي فيها".
وأردف: "لقد طالعت في بعضها ما تيسر، لكن مطالعة من يريد التماس معها وليس الغوص فيها.. والداعي أني كنت مهتما بالأدب كأدب، وليس بالنظرية ما يعوزني الالمام بها، وما طالعت كان مسبارا معقولا، لكن ليس كافيا حتى أتوزع هنا وهناك وأقول قولي، وكنت شاهدا على البعض الذي يتنقل من آلة إلى ألة، وكأنه مايسترو يستحوذ علي كل الأوركسترا، أظن وبعض الظن اثم، أنه رحم الله أمرأ عرف قدر نفسه ".
وحول تأثير المكان عليه أديبا ، وصف الروائي الليبي أحمد الفيتوري المكان بأنه واسع ، وفسيح، في مقام النجوم عند التطلع للفضاء، وضيق، بسيط، محدود تحت القدمين، المكان جدل الزمان، فأنا ولدت في جنوب المتوسط في النصف الثاني من القرن العشرين، إذا أنت ولدت بعيد أن خرق الإنسان الفضاء وصار "جاجارين" في السماء".
وقال :" لم يحدث أن تخيل بشري ما حدث ويحدث، فهكذا أنا ابن // زمنكان // لا حدود له. وإن كان// الزمنكان // هذا لا حدود له فإن المحصلة شاسعة، أحب الأشرطة الوثائقية حبا جما، منها وفيها أتلقى ضوء نجم قبر منذ مليارات السنوات، أو ضوء نجم بازغ".
وعما يدفعه للكتابة ، قال الفيتوري:" ليس للكتابة عليّ من سلطان، فالكتابة ليست الوسن بل اليقظة، اليقظة التي ليست آلة تفتح وتغلق بمفتاح من حديد، الكتابة تأتي دون دعوة لكن أيضا لست ريبوتا، ثمة جمل تخطر حينا على البال فتبدو كتعويذة، لكنها من صنعي كما يفعل الساحر تعاويذه، فهي حصاد أعمال للفكر والنفس، ثم التقطها أو اقتطفها من حديقة النفس.
ورأى أن الكاتب هو مشغل لا يتوقف، وهذا حاصل حتى في النوم، فاللاوعي جزء من وعي الكاتب الذي يدس في الخرج تفاصيل، التفاصيل الشيطانية، التي أسموها العرب وادي عبقر من حيث يتلقون الوحي ، معتبرا أن قماشة الكتابة من نسج معيش الكاتب فحلمه ثم تصوراته وفعله.
وردا على سؤال إلى من تتوجه بالكتابة ، قال الروائي الليبي أحمد الفيتوري:" لا أتوجه أصلا، ولا أكتب لأحد.. حتى رسالة أكتبها للحبيبة كثيرا ما أفعل ذلك لحاجة في النفس، فمجنون ليلى لم يكتب قصائده لليلى، بل كتبها جنونه بها، له، لنفسه، كما لو كان يتخلص من سم حبه".
وأردف الفيتوري: " تعبير السم استعيره من النرويجي ابسن، الكاتب المسرحي الذي قال إن الكاتب كما العقرب، يمتلئ بسمه، فيحتاج لإفراغه حيث يكون، حتى في الفراغ".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة