مقدمات الكتب.. ما يقوله كارل أونوريه فى كتابه "فى مديح البطء"

الأربعاء، 01 مايو 2024 09:00 ص
مقدمات الكتب.. ما يقوله كارل أونوريه فى كتابه "فى مديح البطء" في مديح البطء
أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

نواصل سلسلة مقدمات الكتب ونوقف اليوم مع كتاب "فى مديح البطء... حراك عالمى يتحدى عبادة السرعة" للكاتب الكندى كارل أونوريه، والذى جاءت مقدمته تحت عنوان: عصر الغضب.

تقول المقدمة:

"يولد المرء ويتزوج، يعيش ويموت، فى لجة ضجيج محموم نظن معه أنه على وشك الجنون" وليم دين هاولز، 1907

بعد ظهر يوم بيضته الشمس فى صيف 1985، وصلت بى جولتى الأوروبية فى سن المراهقة، إلى توقف تام فى ساحة فى ضواحى روما، فالحافلة العائدة إلى المدينة تأخرت عشرين دقيقة، وما من بشائر لظهورها، لكن تأخرها لا يزعجني، فبدلاً من التوتر وذرع الرصيف جيئة وذهاباً، أو الاتصال بشركة النقل لتسجيل شكوى، وضعت سماعات الووكمان الذى يصحبنى دائماً، واستلقيت على مقعد، واستمعت إلى أغنية سيمون وغار فانكل عن مباهج الإبطاء، وجعل اللحظة تدوم، كل تفاصيل المشهد منقوشة فى ذاكرتي، صبيان صغيران يركلان كرة قدم حول نافورة من القرون الوسطى، وأغصان تحف بأعلى جدار حجري، وأرملة عجوز تحمل خضراواتها فى كيس شبكى عائدة إلى منزلها.

 في مديح البطء
في مديح البطء

 

تقدم الزمن بسرعة خمسة عشر عاماً، وتغير كل شيء. تحول المشهد إلى مطار فيوميتشينو المكتظ فى روما، وأنا مراسل أجنبى أسرع للحاق برحلة العودة إلى لندن بدلاً من ركل الحصى والشعور بالروعة، اندفعت عبر صالة المغادرة، وأنا أشتم فى سرى كل من يتحرك أمامى ببطء. وبدلاً من الاستماع إلى الموسيقى الشعبية على جهاز ووكمان رخيص، تحدثت بالهاتف المحمول إلى محرر صحفى على بعد آلاف الأميال.


عند البوابة، التحقت بنهاية صف طويل، فليس لدى ما أفعل سوى... حسناً، لا شيء أبداً. لكننى ما عدت قادراً على فعل شيء. لذا، لجعل الانتظار أكثر إنتاجية، والتقليل من وطأنه بدأت أتصفح جريدة. وعندئذ وقعت عينى على مقالة ألهمتنى فى نهاية المطاف تأليف كتاب عن الإبطاء. الكلمات التى توقفت عندها هى قصة مدتها دقيقة واحدة قبل النوم، لمساعدة الآباء والأمهات فى التعامل مع الأطفال الصغار.


بادر مختلف المؤلفين إلى تكثيف الحكايات الكلاسيكية فى عبارات مختصرة تستغرق ستين ثانية، تخيلوا .
كان ردّ  فعلى الأول: وجدتها ! كنت فى ذلك الوقت أخوض صراعاً فى كل ليلة مع ابنى الذى يبلغ عمره سنتين، ويفضل الاستماع إلى قصص طويلة تقرأ بروية وتمهل، ومع ذلك، كنت كل مساء أوجهه نحو أقصر الكتب وأقرأها بسرعة.
وكثيراً ما كنا نتشاجر.


فيصيح قائلاً: "أنت تسرع كثيراً يا أبي، أو يعلن بمجرد وصولى إلى الباب: أريد حكاية أخرى. يشعر جزء منى بأنانية فظيعة، عندما أسرع طقوس ما قبل النوم، ولكن الجزء الآخر كان ببساطة عاجزاً عن مقاومة الرغبة فى الإسراع إلى البند التالى على برنامجي: تناول العشاء، وتفقد البريد الإلكتروني، والقراءة، ومراجعة الفواتير، والمزيد من العمل، ونشرة أخبار التلفزيون، أما القيام بنزهة طويلة متراخية فى عالم الدكتور سيوس فلم يكن خياراً وارداً على الإطلاق. فقصصه بطيئة جداً. لذلك، بدت لى للوهلة الأولى سلسلة كتب قصة مدتها دقيقة واحدة قبل النوم أمراً لا يصدق. أقرأ ستاً أو سبع قصص سريعاً، وأفرغ فى عشر دقائق، وينقضى الأمر، هل يوجد أفضل من ذلك؟


وحين بدأت أتساءل عن مدى سرعة "أماوزن" فى شحن المجموعة كاملة لي، جاءنى الخلاص فى شكل سؤال مضاد: هل جننت؟ وفيهما كان صف المغادرة يتلوى نحو التدقيق الأخير فى التذاكر، أغلقت الجريدة وأخذت أفكر.
تحولت حياتى كلها إلى تمرين فى السرعة، وحشر المزيد والمزيد فى كل ساعة، أنا أشبه بالبخيل العم ذهب فى قصص بطوط الذى يحمل ساعة توقيت، ويستحوذ عليه توفير كل لحظة من الوقت، دقيقة من هنا ويضع ثوان من هناك. وأنا لست وحيداً فى ذلك، بل إن جميع من حولى زملائى وأصدقائى وأسرتي، واقعون فى الدوامة ذاتها.

 

فى سنة 1982، صاغ طبيب أمريكى يدعى لارى دوسى (Larry) Dossey) مصطلح مرض الوقت لوصف الاعتقاد الوسواسى بأن الوقت ينفد، ولا يوجد ما يكفى منه، وأن عليك الإسراع باستمرار للحاق به، والعالم كله اليوم مصاب بمرض وقت. وجميعنا ننتمى إلى عقيدة السرعة ذاتها، عندما كنت واقفاً فى ذلك الصف للعودة إلى مدينتى لندن، بدأت أحاول جاهداً فهم الأسئلة الكامنة فى صلب هذا الكتاب: لماذا نحن مستعجلون دائماً؟ ما علاج مرض الوقت؟ هل يمكننا الإبطاء، أو بالأحرى هل هو مرغوب؟

فى السنوات الأولى من القرن الحادى والعشرين، يخضع كل شيء وكل شخص لضغوط الإسراع قبل وقت غير بعيد، عبر كلاوس شواب مؤسس المنتدى الاقتصادى العالمى ورئيسه، عن الحاجة إلى السرعة مستخدماً تعابير حازمة: "إننا ننتقل من عالم يأكل الكبير فيه الصغير، إلى عالم يأكل السريع فيه البطيء. إن هذا التحذير يتجاوز صدى عالم التجارة الدارويني. فكل شيء فى هذا الزمان المزدحم والصاخب فى سباق مع عقارب الساعة. ويعتقد عالم النفس البريطانى غاى كلاكستون أن التسارع أصبح الآن أمراً مألوفاً لنا: "لقد طورنا سيكولوجية داخلية للسرعة، وتوفير الوقت، وتعظيم الكفاءة، سيكولوجية تزداد قوة يوماً بعد يوم. بيد أن الوقت حان الآن لرفض اندفاعنا الوسواسى لأداء كل شيء بسرعة السرعة ليست دائماً السياسة الأفضل، فالتطور يعمل وفق مبدأ البقاء للأصلح، وليس للأسرع. تذكر من فاز فى سباق السلحفاة والأرنب. حين تسرع فى حياتنا، ونحشو المزيد فى كل ساعة فيها، فإننا تحمل أنفسنا فوق طاقتها إلى حد الانهيار.

لكن، وقبل أن نمضى إلى أبعد من ذلك، دعونا نوضح نقطة واحدة هذا الكتاب ليس إعلان حرب على السرعة؛ فالسرعة ساعدت فى إعادة تشكيل عالمنا بطرق رائعة، وتتيح لنا التحرر من يريد أن يعيش من دون إنترنت أو طائرة؟ المشكلة هى أن حبنا للسرعة، هوسنا بفعل المزيد والمزيد فى وقت أقصر فأقصر، قد ذهب بنا بعيداً جداً. تحول إلى إدمان، وضرب من الوثنية.

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة