هناك من يحصر الأمن القومى لأى دولة في الشق العسكرى فحسب، وتصرف الأنظار إلى القدرات العسكرية سواء في التسليح أو في السيطرة على الحدود أو مدى امتلاك القدرات الخشنة، رغم أن مفهوم الأمن القومى اتسع كثيرا بعد الحرب العالمية الثانية بل اتسع أكثر بعد انتهاء الحرب الباردة ليكون هناك ما يسمى بالأمن القومى الاستراتيجى، ليشمل الأمن الغذائي والأمن العسكرى والأمن الاقتصادى والأمن الإعلامى والأمن الاستراتيجي في ظل تغير العالم وحالة التنافس العالمى خاصة في منطقتنا التي أصبحت محل صراع لهذا التنافس فكثرت التحديات وزادت التهديدات، وما نود الإشارة إليه تسليط الضوء على ومضات متنوعة عن الأمن الإعلامى القومى.
ونبدأ بخطر الشائعات، وأضع تحت الشائعات خط أحمر لأنها باتت سلاح تستخدمه القوى والمؤسسات الاستخباراتية والأفراد إلى تحقيق أغراضها وثبت أنها لا تقل خطورة عن القنابل والصواريخ في هدم الدول وتأثيرها على أمن البلاد بالتشكيك في الإنجازات والثوابت الوطنية خاصة إذا غابت التوعية الفكرية وإتاحة المعلومات.
بل الخطر الأكبر هو عدم قيام الإعلام بدوره في تعزيــز القيــم المجتمعيــة والحفاظ على الثوابت الوطنية، لأن حمايـة الأمـن الفكـري ضرورة حتمية وواجب وطنى وقومى لأنه حائـط الصد الأول ضـد الغـزو الثقـافي الذي يستهدف هـدم المبـادئ والقيم والثوابت مسـتغلا عولمة الصـوت والصورة وأسـاليب الاسـتمالة للسـيطرة عـلى العقـول وتسطيحها.
لذلك، إذا أردنا حقا حماية الأمن الفكرى، لابد من أنسنة الإعلام، أي الاهتمام بتقديم خطاب يهتم بالإنسان ويعمل على بنائه، وهذا لا يأتي إلا بتكريس كل السياسات والقضايا لخدمة الإنسان، خاصة أننا نحاصر من طوفان السوشيال ميديا ونشر التفاهة والسطحية.
يعنى نكون أمام خطاب إعلامى يستند إلى أبعـاد ثقافيـة وفكريـة وتربويـة، خطاب يسـتبدل المحتـوى التافه والمنتهـك للمعاييـر الأخلاقيـة والإنسـانية بخطـاب يحمـل رسـائل إيجابيـة تبـث روح الفضيلـة والأمـل، ويعـزز أواصر المحبـة والتسـامح واحترام القدوة في حياتنا بعيدا عن استيراد نماذج تروّج لقيم إعلامية لا علاقة لها بمجتمعاتنا ولا لعاداتنا وتقاليدنا ولا بقضايانا المصيرية وهمومنا اليومية.
لذا، فحماية الأمن الفكرى ليست رفاهية لأننا نعيش عصرا أصبح الرأي العام هو المحرك الأساسي للسياسة والاقتصاد وبناء الأمم أو هدمها، وانتظرونا في مقال آخر ضمن سلسلة مقالات " ومضات من الأمن الإعلامى القومى".. حفظ الله مصرنا الغالية