من ينظر للشارع المصرى بمعطياته الحالية وما يعانيه من انقسام وتفرق، ما بين مؤيدين للتحرير وموالين للعباسية، متوافقين مع البرلمان ومنتقدين له، معارضين للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ومؤيدين له، بل الأكثر وعلى مستوى الكيان الواحد نجد من بين التحريريين من يؤيد العنف ضد مؤسسات الدولة ومن يعارضه وفى البرلمان حيث الكل يتغنى بالديمقراطية ولكن كل بمنهجه ورجعته، كل تلك الجدالات والخلافات والمناقشات والمطاحنات والتى يرتدى كل فريق فيها ثوب الوطنية ويرفع مصلحة مصر شعارا، إنما يدرك وبما لا يدع مجالا للشك أن الجميع بلا استثناء يفتقد البوصلة للطريق القومى الذى ينقذ مصر من عثرتها فى الوقت الذى يحاول فيه كل طرف أن يشد وطننا الغالى فى اتجاهه ضاربا بعرض الحائط صالح الوطن ومعرضا مستقبلة لخطر التمزق والانشقاق معتقدا عن يقين حينا أو بغير يقين فى أغلب الحياة أنه لا صالح لهذا الوطن إلا فى الاتجاه الذى يراه وهذا يؤدى فى النهاية لحقيقة لا بد وأن نتوقف أمامها جميعا وهى أننا فى مصر وقبل الدستور والانتخابات وخلافه، إنما نحتاج لعقد اجتماعى جديد يحدد أطرا عامة للحقوق والالتزامات، للمطالب والحريات بحيث تتحرك كل القوى داخله، بسقف للطموحات يلتزم به الجميع وحد أدنى من التوافق يحتذى به الكل.
قد يكون ما مرت به مصر فى السنة الماضية قد سبب صدمة لدى عموم الشعب الذى لم يعتد فى ظل حكم الفرد الذى لازم هذا الوطن لعقود طويلة أن يكون هناك رأى ورأى آخر بل كان ذلك يرتبط فى عقلية المواطن المصرى ولسنوات طوال بقيم المحظورات والممنوعات التى لا يحمد عقباها، بل حتى المجاهرين بالمعارضة ممن يشغلون مقاعد البرلمان فى هذا الأيام، لم يعتادوا العمل العام بل كان مراسهم السياسى ولعشرات السنين يتم فى الخفاء، لذا فالكل معذور إن لم يتحقق منه الأداء السياسى الأمثل فى أول تجربة ديمقراطية تمر بها مصر إن لم يكن على مدى تاريخها فعلى الأقل فى تاريخها الحديث.
ومن ناحية أخرى، من يستعرض تاريخ الثورات ومنها المثال الأشهر المتمثل فى الثورة الفرنسية يجد أن تلك الثورات لم تهدأ حميتها الثورية إلا بعد تأسيس عقود اجتماعية بين مختلف القوى التى تبقى بعد الثورة، حيث يعتبر تأسيس هذا العقد الاجتماعى هو نقطة البداية الحقيقية لعهود استقرار ما بعد الثورات وهذه العقود تتعدى فى أثرها الدساتير والقوانين إذ تستمد قيمتها ومعناها وقيمها من الواقع الذى يعكس التفاعل السوى بين قوى المجتمع تجاه الوطن فى إطار مسلمات وأسس يجمع الكل على أنها الأنفع لمصلحة الوطن.
أعزائى القراء... أولى خطوات المضى نحو عقد اجتماعى جديد أن نحدد إطار العمل الوطنى العام الذى يجب على الجميع الالتزام به، وهو ما يتطلب من الجميع تكييف أهدافهم الفئوية والعقائدية والحزبية لتتوافق مع الأهداف العليا للوطن والتى لا خلاف لمواطن مخلص عليها، وهى الحرية والديمقراطية والشفافية والاستقرار والأمان والتقدم والرخاء وقبل كل شىء احترم حقوق وحريات الآخرين على أساس من العدل والمساواة.
عدد الردود 0
بواسطة:
khaled ulsaud
تصحيح المسار