د. نعمان جلال

الصين ومصر والتعاون المطلوب

السبت، 20 أبريل 2013 09:15 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
المثقف مثل الطير الذى وصفه النبى الكريم عليه الصلاة والسلام بقوله: "لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتعود بطانا"، والسفر وصفه الإمام الشافعى بقوله "سافر ففى الأسفار سبع فوائد وذكر منها اكتساب الرزق والمعرفة والتعارف"، ولذلك كان العلماء فى العصور القديمة كثيرى التنقل والأسفار ومن ثم ازدادوا علما ومعرفة وحكمة"، ولذا كنت حريصا على الاقتداء بهم سعيا نحو حكمة الصين وعندما تلقيت دعوة فى عام 2008 للمشاركة فى منتدى الخبراء والدارسين للشئون الصينية فى العالم الذى تنظمه أكاديمية شنغهاى للعلوم الاجتماعية بادرت بالاستجابة للدعوة ومنذ ذلك الحين أصبحت عضوا فى هذا المنتدى المهم الذى يعقد كل عامين لاستعراض أراء الخبراء والدارسين للشئون الصينية الداخلية والخارجية، الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وما حققته من إنجازات وما واجهته من صعوبات وتحديات، وتواكب المؤتمر الخامس مع عملية تغيير ديمقراطى وانتقال للسلطة السياسية من جيل أنهى فترة عمله إلى جيل جديد برؤية جديدة لمواجهة التحديات واجتياز العقبات والمصاعب وتصحيح الأخطاء السابقة وبناء إطار فكرى جديد يحقق نقلة نوعية فى النظام السياسى الصينى الذى يتميز بثلاث خصائص بالغة الأهمية والدلالة، أولها أنه يقوم على التعايش الفكرى والسياسى و الاقتصادى والاجتماعى والثقافى إلى حد كبير، وثانيها أنه يقوم على البناء التراكمى فى إطار التطوير وليس هدم ما قام به السابقون من إنجازات فالقائد الجديد يصحح الأخطاء دون اتهامات ويحلل القضايا دون جلد للذات ويواصل المسيرة دون تردد فلكل قيادة أولوياتها ولكل مرحلة رجالها وقادتها، وثالثا أنه يستفيد من تجارب الآخرين وفكرهم بلا عقد ولا خوف ولا استعلاء أو إحساس بالنقص، ولعل نموذج ذلك فى كلمة الرئيس ٍشى جين بنج عندما تحدث عن الحلم الصينى، ورئيس الوزراء لى كاتشينج عندما عقد مؤتمرا صحفيا فى التليفزيون أجاب فيه بحرية وشفافية على التساؤلات التى طرحت دون قيود ودون تردد، واستمرت حوالى ساعتين عبر الأثير أى أنه استخدم أدوات التواصل الحديث المباشر، ولم يتحدث بخطبة طويلة ومعدة سلفا، وإنما تحدث لمدة أقل من خمس دقائق، ثم تلقى الأسئلة تباعا وأجاب عليها وحوله نوابه وكأنه رغب أن ينقل للمجتمع الصينى وللعالم أن الصين لا يحكمها فرد وإنما قيادة جماعية فى اتخاذ القرار وفى تنفيذه وإنها تغيرت وتواصل التغيير فى الفكر والقيادة والتنفيذ والأدوات
ولم أستطع مغادرة الغرفة بل تسمرت أمام التليفزيون لأستمع لهاتين المناسبتين للجيل الجديد من حكام الصين الصاعدة صعودا سلميا بلا ادعاءات كاذبة، وبلا إحصاءات وإنجازات مفبركة بل حقيقية، وبلا مظاهر البطولة والقيادة بل بتواضع معهود من الشعب الصينى وثقافته وحضارته العريقة التى اعتاد قادتها على الاعتراف بأخطائهم والصعوبات التى تواجههم قبل أن يتحدثون عن إنجازاتهم التى يتركونها للآخرين ليكتشفوها وكأنهم يرددون قول المتبنى فى الفخر، ولكن بطريقة وبخصائص صينية "أنام ملء جفونى عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصمون".

فالقيادة الصينية الجديدة مثل سابقاتها لا تتحدث عن إنجازات الصين وإنما عن الصعوبات التى تواجها فى سعيها لتحقيق أهدافها، ولا تتحدث عن قوتها العسكرية والنووية والصاروخية والتكنولوجية وإنما عن صعودها السلمى وتعايشها واعتمادها على القوة الناعمة، ولا تذكر الاستعمار الذى عانت منه كثيرا، ولا تتحدث عن المؤامرات الخارجية التى تسعى لإعاقة نمو الصين وتقدمها ولا عن المؤامرة العالمية الكبرى التى يخطط لها العالم حقدا وحسدا ضد التجربة الصينية الناجحة، ولا تتناول الصراع الطبقى وحقد المثقفين الرجعيين والإعلاميين المخربين وأنصار النظام القديم، إن هذه القيادات الصينية تركز على كوادرها الجديدة وفكرها الجديد، ولا تتحدث عن الماضى الصينى وتاريخها وحضارتها سواء بالتحسر أو التباهى أو المطالبة بالعودة للعصر الذهبى للإسلاف رغم أن لديها ما يسمى عبادة الإسلاف آو تذكرهم فى قبورهم كنوع من التقديس والاحترام وتقديم القرابين لهم فى الحضارة الصينية القديمة ولكن القيادات الصينية الآن لا تعيش عصرهم بل تفكر فى عصرها ومستقبلها، أنها تنظر للأمام وليس للخلف، وهذا منطقى فهى تدرك أن الزمن هو السلعة النادرة الحقيقة فه ويمر مرة واحدة وإن إحدى خصائصه أنه لا يعود أبدا ولا يمكن تخزينه واستدعائه مجددا، وهذا بخلاف الوضع فى العالم العربى الذى معظم الوقت يعيش الماضى بآلامه وتصوراته الوردية ويلهب الشعوب بالذكريات الحزينة والحسرة والندامة على أحوالنا بدلا من أن يحفز فكرهم للتفكير فى بناء المستقبل، كما دعا لذلك القرآن الكريم فى أهمية التفكر فى الآفاق بقوله "سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم"، كما دعاهم للتفكر فى السموات والأرض، وعندما تحدث عن الماضى والحضارات الغابرة وما آلت إليه تحدث للعبرة والعظة وليس لاجترار الذكريات والحزن الأبدى على ما فات والتطلع لاستعادة الماضى وتاريخ الآباء والأجداد وحقا قال الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه فى حكمه البالغة "لا تجبروا أبناءكم ليكونوا مثلكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم".

الصين الحديثة تستلهم فكرها من تاريخها وحضارتها فى بعض الأساليب والأدوات فهى تستلهم من مدرسة المشرعين وبخاصة هان فى Han Fei مفهوم القانون واحترامه ومفهوم القوة العسكرية والنظام ومن فكر كونفوشيوس مفهوم التعليم واختيار الكفاءات على أساس المنافسة بين الأكفاء وفقا لمؤهلاتهم وقدراتهم وتستلهم منه أيضا احترام الفضائل الخمسة فى العلاقات الاجتماعية ومن موتز Mozi مفهوم المحبة الشامل وتجنب الصراعات والسعى لتحقيق المنافع المشتركة ومن صن يات سن مفهوم وحدة الأمة الصينية والبعد الوطنى لذلك أطلق عليه أبو الأمة ومن سن تزو مفهوم الإستراتيجية والفكر العسكرى المبدع والخلاق ومن النهر الأصفر ونهر اليانجسى معنى الحضارة العريقة و المتجددة، ومن ماوتسى تونج مفهوم المعالجة الصحيحة للمتناقضات فتحول المتناقضات غير الحميدة إلى متناقضات حميدة من أجل البناء الإصرار على تحقيق الهدف بقيادته للمسرة الطويلة عبر أراضى الصين وأقاليمها، ومن عبقرى الصين الحديث دنج سياو بنج مفهوم البراجماتية والعقلانية والمرونة فى بناء صين واحدة بنظامين، والانفتاح والسوق الاشتراكية بخصائص صينية، ومن جيانج تزمين مفهوم الرأسمالية الوطنية و الزحف نحو الغرب الصينى والدعوة لتضامن المناطق المتقدمة مع المناطق التى لم تنمو بعد، ومن خو جنتاو مفهوم التناغم والانسجام فى داخل الوطن ومع العالم الخارجى و التنمية العلمية، وهكذا عمل تراكمي، طبقات بعضها فوق بعض، لارتفاع البنيان وليس لتخريبه وهدمه حتى يبدو كل رئيس جديد بأنه المعجزة التى ظهرت، وأن من سبقوه كانوا لا يعرفون شيئا ولا يفهمون ولا يعملون، بل كانوا فاسدين ومخربين ومهملين ويجب تقديمهم للمحاكمات.

وقد ترتب على هذا المنهج الصينى أن تحققت نبوءة نابليون عندما قال دعوا الصين نائمة فإنها إذا تحركت اهتز العالم بأسره، ولهذا أيضا قال أحد الخبراء الغربيين عن الصين الحديثة وهو البروفسور مارتن جاك أستاذ الاقتصاد بجامعة لندن للاقتصاد فى كتابه المتميز "عندما تحكم الصين العالم" وذكر الخلاصة العملية لدراساته التى قال إن كثير من الباحثين يشاركونه تلك الاستنتاجات، وفى محاضرة فى الجلسة الختامية للمنتدى الخامس للدارسين والخبراء فى الشئون الصينية أوضح أنه فى عام 2030 سيمثل الاقتصاد الصينى ثلث الاقتصاد العالمي33.4% فى حين الاقتصاد الأمريكى 15% والاوربى13% أى إنهما مجتمعان سيكونان أقل من الاقتصاد الصينى، وأضاف أن الاقتصاد الثانى فى العالم سيكون الاقتصاد الهندى 18.6% والثالث الاقتصاد الأمريكى والرابع الاتحاد الأوربى والخامس الاقتصاد البرازيلي5.1% ويلى ذلك الاقتصاد اليابانى 3.2% ثم الاقتصاد الروسى3%
ومن هنا دعا للاهتمام بالصين وفهمها والتعامل معها من الدول الغربية وأكد عدم جدوى الإنكار والتعالى الذى لا يتناسب مع المنطق العلمى ومع واقع الأوضاع الاقتصادية والسياسية الدولية المعاصرة..

ولقد لاحظت أكثر من مرة أن الصينيين يفكرون بعقلانية وتواضع ففى جلسة العمل العامة الأولى بعد الجلسة الافتتاحية حرصوا على تطبيق مفهوم التوازن والتناغم بين المتحدثين فاختاروا أربعة متحدثين رئيسيين فى الجلسة العامة الوحيدة، وبعد ذلك كانت جلسات محورية متوازية على مدى يومين، وكان المتحدثون فى الجلسة العامة الأولى أربعة خبراء من الصين والبرازيل وبلجيكا ومن مصر كاتب هذه السطور، وكلهم خبراء متخصصون لعدة سنوات فى الشئون الصينية، ورغم إشادتى بالتقدم وبالنموذج التنموى الصينى وتنظيرى بأنه نموذج يقوم على الديمقراطية التنموية التوافقية فقد بدأت كلمتى بعتاب دبلوماسى رقيق تعليقا على جولة الرئيس الصينى الإفريقية قائلا إننى كمواطن مصر متخصص فى الشئون الصينية كنت أتطلع واعتقد أن كثيرين من الشعب المصرى يشاركوننى مثل هذا الإحساس لأن يزور الرئيس الصينى شى جين بينج مصر فى جولته الإفريقية استنادا إلى أمرين مهمين أولهما أن مصر كانت هى بوابة الصين لأفريقيا فهى أول دولة عربية وافريقية أقامت علاقات دبلوماسية مع الصين فى مايو 1955 وأن القيادات الصينية المتعاقبة ووزراء الخارجية حرصوا على زيارة مصر فى أول جولة خارجية فى إفريقيا والعالم العربى وثانيا إن الرئيس المصرى الدكتور محمد مرسى حرص على أن تكون أول بلد يزورها خارج المنقطة العربية الإفريقية هى الصين تقديرا للعلاقات التاريخية.

• باحث فى الدراسات الإستراتيجية الدولية والشئون الصينية .









مشاركة

التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

khaled

مقال رائع

عدد الردود 0

بواسطة:

مصرى

انا فهمت من المقال انة ولابد من استيراد فوانيس رمضان القادم من الصين

**********************************

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة