د. نعمان جلال

حقوق الإنسان والمعايير المزدوجة

السبت، 28 سبتمبر 2013 10:51 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إننا فى كثير من الدول النامية، نحرص على الترويج لمفهوم حقوق الإنسان، وحرياته الأساسية ونفسح المجال لجمعيات المجتمع المدنى، للقيام بهذه المهمة النبيلة، ولكننا فى بعض الأحيان نواجه بثلاث معضلات، تثير التساؤل والشكوك.

أولها إن بعض تلك الجمعيات يتم تبنيها من قبل مؤسسات رسمية وغير رسمية، من دول أجنبية حيث تُقدم لها التمويل الوفير وترفض إخضاعها للقانون الوطنى، وللرقابة المحاسبية على أوجه الصرف، والإنفاق، وثانيها إن بعض هؤلاء الذين يُطلق عليهم نشطاء سياسيون أو حقوقيون، نصيبهم محدود من الثقافة السياسية، أو الحقوقية ويحصلون على هذه الألقاب بلا معايير واضحة، أو مؤهلات علمية، اللهم إلا تبنى وتأييد هيئات أجنبية لهم، وأحيانا منحهم جنسية دول أجنبية، تدافع عنهم فى مواجهة بلادهم بهدف خدمة مصالحها.

وثالثها: إن بعض تلك المنظمات الحقوقية، لنقص الكفاءة والخبرة والمعرفة العلمية والقانونية والسياسية لديها، تعتبر نفسها فوق القانون الوطنى، ومن ثم تضع أجندة لعملها لا تتماشى مع أولويات مجتمعها ولا تعكس اهتماماته ولا تعبر عن احترام القانون الوطنى، كما لو كانت هذه المنظمات فوق القانون.

ولعله من الضرورى أن أؤكد أن اهتمامنا بموضوع حقوق الإنسان يجب أن يكون اهتماماً حقيقياً وأصيلاً ينبع من قيم مجتمعنا ومن تراثه وحضارته التى تمتد عشرات القرون، ولذا فإنه على هؤلاء الناشطين أن يكونوا جزءا لا يتجزأ من مجتمعاتهم فى أولوياته وأجندته، وأن يكون تمويلهم وطنيا، وأن يحترموا قوانين بلادهم أسوة بنظرائهم فى الدول المتقدمة، ونريد أن ينطبق عليهم نفس المعايير التى تطبقها الدول المتحضرة، إذ لا نجد فى تلك الدول منظمات مجتمع مدنى تعمل من الخارج، وتهاجم بلادها، بل إننا نجدها تحتضن نظيراتها فى بلادنا تمويلا وتدريبا وترويجاً، وهذا من المفارقات التى تجعلنا نتساءل أين معايير الأمم المتحدة فى هذا الصدد؟. وأين المبادئ الدولية الداعية لاحترام خصائص الشعوب، وتقاليدها وقوانينها الوطنية، وعدم التدخل فى شئونها الداخلية.

قد يقول قائل إن حقوق الإنسان أصبحت قضية عالمية، وهذا صحيح جزئيا فالمبادئ العامة هى عالمية ليس اليوم، بل منذ خلق الله الكون، فالحق فى الحياة، والحق فى الأمن، والحق فى الطعام والحق فى العدالة هى من المبادئ المستقرة منذ نشأة الكون، ولكن تنظيم الحقوق يخضع للقانون.

أما الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فهى موضع خلاف قانونى هل هى حقوق بالمعنى الصحيح، لمفهوم الحق أم إنها حقوق ذات طبيعة خاصة ترتبط بإمكانيات كل مجتمع وبفلسفة؟ أم إنها مجرد حريات وليست حقوقا بمعنى حرية العمل وحرية تكوين النقابات وحرية التظاهر وحرية تكوين أسرة وحرية الزواج...إلخ إنها ليست حقوقا وفقا للنظرية الليبرالية التى تعتمدها الدول الغربية، بينما هى تعد حقوقا فى النظرية الاشتراكية التى كانت تضمن العمل والرعاية الصحية والتعليم، أما الدول الغربية فترى أن ذلك حريات ترتبط بحرية التملك الخاص فى الصحة والتعليم، وبقدرات كل فرد وظروفه الاجتماعية والاقتصادية.
المشكلة أن بعض من يطلقون على أنفسهم لقب المناضلين أو الناشطين فى مجال حقوق الإنسان، لا يفهمون التفرقة بين هذه الحريات، وبين الحقوق، الأولى وهى الحريات فإنها ترتبط بوضع الفرد فى المجتمع وبظروف المجتمع، أما الثانية أى الحقوق فهى ترتبط بالفرد من حيث كونه إنسانا، فالحق فى الحياة يبدأ من تاريخ الميلاد، وحتى الوفاة، والحق فى الأمن كذلك، والحق فى العدالة وهكذا، أما حرية العمل أو ما يسمى أحيانا بالحق فى العمل، فهو يرتبط بمدى توافر الوظيفة فى القطاع العام أو الخاص ومدى ملاءمة مؤهلات الشخص للوظيفة المتاحة وقبوله لها، ومدى انضباطه واحترامه لقواعد العمل، ونظمه ولوائحه، وكذلك الحق فى التعليم أو الرعاية الصحية وخلافه. يكفى أن نشير إلى أن قانون التأمين الصحى ما زال موضع خلاف حتى الآن فى الولايات المتحدة الأمريكية، التى هى أكبر دولة ديمقراطية فى العالم الغربى، والصراع بين الحزبين الديمقراطى والجمهورى حول مدى ما توفره الدولة من أموال للرعاية الصحية وهكذا من الضرورى أن ينظر للقضايا فى إطارها وظروفها وليس على إطلاقها، ولكن بعض المنظمات الحقوقية الأجنبية العاملة فى إطار أجندة الفوضى الخلاقة وتخريب الدول تقنع نظيراتها فى بلادنا بخلاف ذلك، وهذا يرتبط بالأجندة السياسية وليس بالأجندة الحقوقية.

إننا نلمس أنه كلما زاد هجوم بعض تلك الجمعيات الحقوقية المنتمية للدول النامية، والتى تشكل المجتمع المدنى والناشطين ضد بلادها، كلما زاد احتضان الدول الأجنبية لها وحمايتهم وزاد حجم تمويلها من الخارج، إن جمعيات المجتمع المدنى فى الولايات المتحدة وأوروبا لا تسمح أنظمتها بتمويل أجنبى لها، وتخضع أموالها تحصيلا وإنفاقا لقواعد محاسبية شديدة ونحن لا نطالب فى بلادنا بغير ذلك من الأنظمة المعمول بها فى البلاد المتقدمة.

إن هناك خلطاً بين حماية حقوق الإنسان وحرياته، وخاصة حقه فى التظاهر، وحقه فى التعبير، وهى فى جوهرها حريات وليست حقوقا، وبين تطبيق القانون واحترامه وتنفيذه على الجميع، على قدم المساواة، وإننا نجد مواقف بعض الدول المتقدمة تثير التساؤلات والشكوك، ونحن نتطلع إلى أن نتعلم من هذه الدول كيف تطبق القانون لديها لكى نقتدى بهم؟ وهل تسمح بالتظاهر بالمولوتوف، وتكديس الأسلحة فى دور العبادة؟ كما يحدث فى مصر وغيرها من الدول النامية؟ ونريد أن نذكر الجميع ألم تعلن الولايات المتحدة، وسار خلفها العالم، حالة الحرب ضد الإرهاب عندما تم تدمير برجى مركز التجارة العالمى فى نيويورك؟ إننا نريد أن نعلن الحرب على الإرهاب فى مصر بعد أن أشعل الإرهابيون النيران فى الطرقات بصورة شبه دائمة ودمروا العشرات من الكنائس، وكدسوا الأسلحة فى المساجد، وروعوا المواطنين فى الطرقات وفى منازلهم. وإن هؤلاء يجب أن يطبق عليهم حد الحرابة فى الشريعة الإسلامية، الذى جاء ذكره فى القرآن الكريم، بقوله تعالى: "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْى فِى الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِى الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ " سورة المائدة (الآية 33) وإلى من يتمسحون فى حقوق الإنسان أو فى الشريعة الإسلامية، وتتم حمايتهم من قبل دول أجنبية نقول ألم تقم فرنسا بإنهاء اعتصام شخص مسلم فى ضواحى باريس بالقوة، لأنه اعتصم فى مبنى ووضع به أسلحة؟، وبعد أن أنذرته لمدة 3 أيام، حاصره البوليس خلالها ثم قام البوليس باقتحام المبنى وتدميره بينما فى فض اعتصام مسجد رابعة العدوية انتظرت الشرطة 45 يوماً وأنذرتهم أسبوعاً، ولكنهم كانوا مصرين على رفض فض الاعتصام، ولذلك وقعت خسائر، بينما تم فض اعتصام ميدان النهضة أمام جامعة القاهرة بدون خسائر مطلقاً لأن المتظاهرين استجابوا للإنذارات، التى وجهت إليهم.

ألم تفض فرنسا تظاهرات الضواحى العشوائية بالقوة؟ ألم تقم بريطانيا بفض اعتصامات متظاهرين فى لندن عام 2011، وأعلنت حالة الطوارئ؟ وقال رئيس الوزراء كاميرون عندما يكون أمن بريطانيا مهدداً، فلا تسألونى عن حقوق الإنسان؟ وأيد الحزب المعارض الحكومة عند مناقشة البرلمان للموضوع، إن الحالات التى يتم فيها فض الاعتصام غير القانونى وتفرض السلطات فى الدول الغربية احترام القانون والنظام بالقوة عديدة، فالقانون يجب أن يحترم ونحن نؤيده ونطالب الجميع باحترامه سواء منظمات المجتمع المدنى أو الدول الأجنبية، ونتساءل كيف نحمى البعثات الأجنبية فى بلادنا، وأيدى الشرطة مغلولة، إذ تحتضن بعض تلك البعثات جماعات تقوم بأعمال إرهابية تحت مسمى مجتمع مدنى، أو نشطاء حقوقيين وتشجعهم على أعمالها وتدافع عنهم؟ ونتساءل كيف تطالبنا بعض الدول التى تعلمنا فيها، أن احترام القانون فوق أى شىء؟ وفى نفس الوقت تطالبنا بان نعطى القانون إجازة، عندما يتعلق الأمر بمن يطلق على نفسه ناشطا حقوقيا؟ وتعطيه الدول الأجنبية جنسيتها، وتعمل على فرض وجوده ونشاطه على مجتمعنا؟ وتروج لذلك عبر شبكات منتشرة فى مختلف مناطق العالم.

ونتساءل لماذا تقوم دول غربية كبرى متقدمة بتتبع من تسميهم بالإرهابيين فى أفغانستان وباكستان واليمن والصومال وغيرها، بطائرات بدون طيار وتقتلهم؟ ولا تسمح لنا بالقيام بنفس الشىء فى بلادنا ضد نفس العناصر، بل يطالبوننا أن نحافظ على هؤلاء الإرهابيين فى بلادنا ونهيئ لهم حيازة الأسلحة والمتفجرات حتى يقتلوا إخوتهم فى الوطن والأجانب المقيمين والسائحين ويعتدوا على أملاك ومقدسات الآخرين.

إننا نطالب بقليل من العدالة والمعاملة المتساوية بنفس المعيار، أيها السادة الذين تعلمنا منكم مبادئ حقوق الإنسان، واحترام القانون، واحترام المسئولين عن تطبيق القانون وإنفاذه إذا كان يتم الاعتداء على رجال الشرطة وتدمير سيارات الأمن، ويتم إرهاب المحاكم، والقضاة، فكيف يُتصور أن قاضيا إذ أصدر حكما ضد مجرم يجتمع أعوانه للتظاهر ضد القضاة بل ويحاصرون المحاكم بما فى ذلك المحكمة الدستورية ويدخل القضاة إلى المحكمة متسللين من باب خلفى.لأن أتباع حزب ما يدعى التظاهر السلمى ويدعى الانتساب للإسلام يحاصرون المحكمة الدستورية.
إننا ندعو إلى اعتماد معيار واحد بالتساوى فى صدد أهم قضايا العصر، وهى قضية حقوق الإنسان. إن المعيار ينبغى أن يأخذ فى الحسبان تطبيق القانون على المعتدى، وليس تركيز الاتهام على من يطبق القانون، إن التظاهر السلمى معروف لدى الدول جميعا وهو فى معظم الدول المتقدمة يكون بإبلاغ يتضمن تحديد المكان والزمان والهدف والمشاركين فيه ولا تسمح السلطات بتجاوز ذلك.

إن العمل السياسى، يجب ألا يختلط بالعنف، كما لا يجب أن يختلط بالأديان والعقائد، إن كلاهما يختلف عن الآخر، وهذا ما نطالب به. إن العمل المدنى فى المجتمعات ينبغى أن يعتمد أجندة وأولويات كل وطن، ويتم تمويله من وطنه ولا يعتمد فى تمويله على الخارج، ولا يسير وفقا لأجندة الخارج، ويجب أن يخضع لمعايير المحاسبة والشفافية وفقا للقانون.

أليس ذلك ما يحدث فى البلاد المتقدمة، إننا لا نطالب بغير ذلك. إن هناك فارقاً جوهرياً بين من يحمل السلاح والقنابل ويتظاهر وبين من يحمل الورود والأناشيد، إن الشرطة تحمى الثانى وتعاقب الأول فى كافة المجتمعات المتحضرة.









مشاركة

التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

دكتور باسل المصرى

ازدواجية النظر

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة