محمود سلامة الهايشة يكتب: حتى ننقذ أبناءنا من سلبيات المشاهدة التليفزيونية

الخميس، 14 أغسطس 2014 10:21 ص
محمود سلامة الهايشة يكتب: حتى ننقذ أبناءنا من سلبيات المشاهدة التليفزيونية أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ما دام الأبناء سيجلسون أمام التلفاز وبصحبتهم الزوجة لساعات طويلة لمشاهدة المسلسلات والأفلام الدرامية العربية منها والأجنبية؛ سواء لانجذابهم لها، أو لأنهم فى الإجازة الصيفية من الدراسة، أو لعدم وجود متنزهات أو أنشطة يمارسونها، مما يؤدى إلى الكثير من التأثيرات السلبية عليهم، سواء العضوية أو النفسية أو الاجتماعية، قد يصل الأمر لإدمان مشاهدة التلفاز، التوحُّد مع برنامج أو مسلسل بعينه، تقمُّص دور إحدى الشخصيات، اتخاذ أحد الأبطال أو البطلات قدوة يتم تقليده فى كل شىء، اكتساب عادات وسلوكيَّات اجتماعية غير سليمة، وقد تتعارض مع العادات والتقاليد والأعراف التى تسود المجتمع الذى نعيش فيه، خاصة تلك المسلسلات المدبلجة القادمة من دولة تختلف وتبعد عنا فى كل شىء جغرافيًّا وثقافيًّا، مما يُهدِّد الأمن والسلام الاجتماعى لأفراد المجتمع، ويُحدث التفكُّكات الأسرية والمجتمعية.

وهناك الكثير من المشاهد والجمل الحوارية التى تقال داخل تلك الأعمال الدرامية ويشاهدها المتلقِّى بعينه وتسمعها أُذنَاه بكل سهولة ويسر، وتمرُّ ولا يُلقى لها بالًا؛ ولكنَّها ذات وقْع كبير جدًّا، بل كارثى وتُخزَّن فى العقل الباطن، ويتم تراكم تلك الأفكار السلبية، ويتمُّ استدعاؤها عندما يمرُّ هذا الإنسان بموقف مشابه للمُخزَّن داخل مخزن البرامج العقلية، فلكلِّ عمل درامى معالجات؛ معالجة فى السيناريو من الكاتب، ثم من المُخرِج، وأحيانًا من المُنتِج أو الجهة القائمة على الإنتاج؛ لفرض أيديولوجية معيَّنة يريدون بثَّها؛ لبرمجة المستهدَفين من المشاهِدين عليها!.

وبناءً على ما سبق، فماذا يفعل الأب وولى أمر أسرته الصغيرة؟ فهو الراعى والمسئول عنها، ولا بدَّ أن يكون له دور ومسئوليَّة فى ظل هذه السماوات المفتوحة، وتنافس كل قناة فضائية ومشاركتها فى تربية أبنائه معه؛ فلم يعد لأبنائنا اليوم فى القرن الحادى والعشرين والدان فقط (أب وأم!)، بل أصبح لكل ولد وبنت مئات الآباء والأمهات تشاركهم التربية والتوجيه والنصح والإرشاد، وذلك عبر كل وسائل التكنولوجيا والاتصالات الحديثة التى تتطور بشكل مُذهِل كان فى الماضى القريب شيئًا من الخيال العلمى المستحيل تحقيقُه على أرض الواقع.

وبما أن المجتمعات العربية لا تقرأ؛ حيث أصبح يُطلق عليها "أمة اقرأ لا تقرأ!"، وأن المواطن العربى هو أقل إنسان حول العالم فى معدَّل ساعات القراءة فى العام، والتى لا تتخطَّى عدة دقائق لا تتجاوز اليد الواحدة، ومعنى ذلك أن من لا يقرأ لا يكتب، وإذا كتب يكتب ما ليس له قيمة، وتلقَّى المعلومات بسهولة ويسر عن طريق تقديم وجبات معرفية وفكرية جاهزة "معرفة تيك أواى!"؛ مما يعنى إدخال ملوثات وسموم معرفية داخل عقول الصِّبية والمراهقين من الجنسين، حتى نصل إلى تنشئة وإخراج أجيال مدمَّرة فى صحَّتها الفكرية والمعرفية، شباب غير قادر على التفكير السوى السليم؛ لعدم تربيته على إنتاج الفكر بل استهلاكه فقط، وعدم الاستفادة واستغلال العقل بتشغيل الأجزاء الخاصة بالنقد والتحليل وعملها، بتنمية وتطوير التفكير الناقد؛ وذلك بسبب عدم استخدام المستويات العليا من التفكير، لا فى التعليم ولا فى التربية، بل استخدام المستويات الدنيا فقط التى تتركَّز على الحفظ والاستظهار والتلقين والاسترجاع دون فهْم أو تحليل أو تركيب؛ لذا يستطيع مذيع أحد برامج "التوك شو" مدرَّب جيدًا ودرس علوم الصحة النفسية والبرمجة اللغوية العصبية أن يُؤثِّر ويُقنع ويبرمج عشرات الملايين من المشاهدين خلال سويعات قليلة يجلسها أمامهم فى الصباح أو المساء!.

يشترط ويضع ولى الأمر شرطًا على الأبناء حتى يشاهدوا هذا المسلسل أو ذاك الفيلم أو ذلك البرنامج، ألا وهو كتابة تقرير ليس بالطويل ولا بالقصير عن أحداثه أو الفكرة التى تناولها أو المشكلة التى ناقشها، وما هو رأيهم الشخصى فيما شاهدَوه وسمعَوه، وذلك فى ورقة مكتوبة وليس بشكل شفوِى، ومن مرَّة لأخرى، سوف يتطوَّر أداء هذا الولد أو تلك البنت، وسوف يجلس الأبناء للمشاهدة والتفكير الإيجابى، وليس للمشاهدة السلبية وبدون تفكير، أو كما يقال مشاهدة من أجل المشاهدة، أو مشاهدة من أجل إضاعة وملء الوقت، فهذه الطريقة سوف تُنمِّى التركيز والانتباه لدى الأبناء، وتُطوِّر أسلوبهم فى الكتابة الواعية الناتجة عن النقد والتحليل مما يزيد من التفكير الناقد، وتُحبِّب الأولاد فى التدوين، ثم يجلس الأب أو الأم مع الأبناء فى مساء كل ليلة أو فى اليوم التالى؛ لمناقشة ما كتب فى هذه الوريقات، والتركيز على كل ما هو إيجابى، ورفض كل ما هو سلبى، مما يجعل الأبناء يحذفون أو يضيفون جملًا وعبارات لتقاريرهم؛ ولتشجيعهم على ذلك نحفِّزهم لنشر تلك الكتابات على صفحاتهم وحساباتهم على شبكات التواصل الاجتماعى كالفيسبوك والتويتر، وإذا كانت بعض الموضوعات ذات مستوى راقٍ، يتم تحفيزهم ونصحهم بإرسال تلك المشاركات إلى باب القرَّاء الموجود فى كافة الصحف الورقية والإلكترونية، ويمكنهم إنشاء موقع فى صورة مدونة؛ حيث إن هناك الكثير من المواقع الكبرى التى تستضيف المدونات، وبذلك يصبح كل ابن أو بنت فى الأسرة كاتبًا/ة، صحفيًّا/ة، مدونًا/ة، ناقدًا/ة.. وهكذا، وبالتالى نعظِّم الاستفادة من الوقت المهدَر من مشاهدة الشاشات، وإعمال العقْل وتشغيله بما هو مفيد ونافع، وتنمية القراءة والكتابة لدى أبنائنا؛ لإخراج جيل قادر على اتخاذ قراراته بنفسه، لا ينتظر غيره فى بلد أخرى يأخذها له!.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة