وجدت بعد أن أمضيت أكثر من ما يربو على عشرين عاماً من الدراسات، والممارسة، والتطبيق، والتنظيم، والتقنين فى قضايا العمل والشئون الاقتصادية، بعد أن تمثلت سائر الوقائع والنظريات المتصلة بحضارة العمل من أقصى يمينها، مرورا بأوسطها إلى أقصى يسارها فتوصلت إلى أن الإنسانية موكب من الأشباح تسير فى وسطه حقيقة مجهولة، وأن الطموح البشرى والتوق الانسانى يلحان على جلاء هذه الحقيقة.
فالفكر المتوثب والعقل الطليق الثاقب ما زالا يمارسان فلسفة الرفض، فهما لم يستقرا على حال من القلق سعيا وراء تحقيق المجتمع الطوباوى والعثور على الفردوس المفقود وإقامة المدينة الفاضلة، وسوف يظل الفكر الإنسانى ينقب من جانبى نفق الحقيقة حتى يتصل النفقان ويلتقى النقيضان وتشرق على العالم شموس الحقيقة الأزلية مبشرة بميلاد "العدالة الاجتماعية".
وقد ألح علىّ "سلطان الحقيقة" وأمانة التبليغ أن أكتب لأولئك الذين يجدون من أنفسهم شجاعة ليدركوا أن عالمنا المعاصر بحاجة، ليس فقط إلى إحداث تغييرات عقلية وسياسية واجتماعية وأخرى اقتصادية، بل إلى ضرورة قلب الحضارة الصناعية وظهور فكرة أخرى للتقدم البشرى!.
ولو فى هذا صدمة لآهل المعاصرة فإننى أكتب لأولئك الذين أمنوا بأن الحياة الانسانية كما هى سائرة اليوم، وكما هى صائرة وفق جميع التقديرات الظاهرة الحديثة لا يمكن أن تستمر فى طريقها هذا ولا بد لها من تغيير أساسى فى القواعد التى تقوم عليها تغيرات تعصمها من تدمير الانسان ذاته من خلال شرور العلم الذى يوجه لقتل البشرية من أسلحة مدمرة، والتى تؤدى إلى خصائص البشرية الأساسية فخط الحياة الحالى يمضى يوما بعد يوم فى تدمير خصائص الانسان، وتحويله إلى آلة من ناحية وإلى حيوان مدمر لنفسه ولغيره من ناحية أخرى.
وفى النهاية فليس الخلاف إذاً على ضرورة وحتمية إعادة بناء الحضارة والقيام بالتحويل الاجتماعى المنشود بل على تحقيق ذلك كله بالطرق والأساليب السلمية التى تحفظ آدمية الإنسان وتحمى البشرية من شرور نفسها.
•أستاذ الاقتصاد السياسى والمالية العامة – جامعة القاهرة
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة