لك أن تفخر بأنك مصري، وأنك حفيد الفراعنة الذين صنعوا أقدم وأعرق حضارة عرفها التاريخ الإنساني، ويعود هذا التقدم الحضاري الرائع إلى سببين رئيسين: الأول، العوامل الطبيعية الملائمة؛ من سهول خصبة، ونهر وفير، وموقع جغرافي مهم، والثاني والأهم، القدرات الفكرية لدى المصريين القدماء، حيث عملوا على الاستفادة من هذه العوامل الطبيعية الممتازة، وقد أدى هذا التفاعل الإيجابي المثمر بين الإنسان والطبيعة إلى عمل تاريخي خالد وحضارة رائعة لم يشهد العالم الإنساني لها مثيلا.
ونهر النيل الذي يمثل شريان الحياة هو الذي علم المصريين الإحصاء والهندسة والحساب، فعرف المصريون المقاييس، وبرعوا في مشاريع الري، وتفننوا في وسائل المواصلات، أما الفراعنة فإنهم قدموا إلى وادي النيل من الجنوب واستقروا شمالاً قرب الدلتا، حيث نجحوا في بناء حضارة فرعونية لا تزال آثارها قائمة حتى الآن، ونظرا لأن مصر تطل شمالا على البحر المتوسط، وشرقا على البحر الأحمر، مما سهل على الفراعنة الاتصال بقارة آسيا عن طريق البحر الأحمر، وقارة أوروبا عن طريق المتوسط، وقارة أفريقيا عن طريق النيل الذي يمتد إلى أسوان، ثم إلى منابعه في الحبشة.
لما يقرب من 30 قرنا من توحيدها، ومنذ حوالي 3100 قبل الميلاد إلى غزوها من قبل الإسكندر الأكبر عام 332 قبل الميلاد، كانت مصر القديمة الحضارة البارزة في العالم في البحر الأبيض المتوسط، ومن الأهرامات العظيمة للمملكة القديمة وحتى الفتوحات العسكرية للمملكة الحديثة، لطالما أثار جلالة مصر إعجاب علماء الآثار والمؤرخين، وخلق حقلا دراسيا نابضا بالحياة في علم المصريات، وكانت المصادر الرئيسية للمعلومات عن مصر القديمة هى العديد من الآثار والتحف التي تم انتشالها من المواقع الأثرية، المكتوبة بالهيروغليفية التي تم فك شفرتها مؤخرا.
كما تظهر العديد من الصور المنتشرة للحضارة الفرعونية المزدهرة حتى يوما الحالي، ثقافة لا مثيل لها في جمال فنها، أو إنجاز هندستها المعمارية، أو ثراء تقاليدها الدينية، ووفقا لتقرير شبكة "ذا هيستوري الكندية"، إنه أثناء حكم أخناتون، لعبت زوجته "نفرتيتي" دورا سياسيا ودينيا مهما في العبادة التوحيدية لإله الشمس آتون، وتصور صور ومنحوتات نفرتيتي جمالها الشهير ودورها كإلهة حية للخصوبة، وكانت تعد من أقوى النساء في مصر القديمة، وقد عاشت فترة قصيرة بعد وفاة زوجها، وساعدت توت عنخ أمون على تولي الملك، وكانت لهذه الملكة الجميلة منزلة رفيعة أثناء حكم زوجها.
ولأجل الحقائق السابقة التي أدت إلى صناعة أهم وأكبر حضارة في التاريخ أقول لك مجد أجدادك الفراعنة اليوم الموافق 4 ديسمبر 2020 وحلق بخيالك الطامح نحو التفوق والخلود وأنت مع تعيش الحدث العالمي الذي يواكب نقل 22 مومياء، و17 تابوت ملكيا ترجع إلى عصر الأسر (17، 18، 19، 20)، ومنها 18 مومياء لملوك، و4 مومياوات لملكات من بينهم مومياوات "الملك رمسيس الثانى، والملك سقنن رع، والملك تحتمس الثالث، والملك سيتى الأول، والملكة حتشبوت، والملكة ميريت آمون زوجة الملك آمنحتب الأول، والملكة نفرتارى زوجة الملك أحمس".
الموكب المهيب لنقل 22 من المومياوات الملكية سيتم على 22 سيارة بطراز مصري قديم، مع وجود الخيول، كما تم تصنيع عجلات حربية مشابهة للعجلات الحربية المصرية القديمة، مع عزف مقطوعات موسيقية أثناء النقل، وهى طقوس تقترب إلى حد كبير من مواكب تشييع الموتى من الملوك والملكات في مصر القديمة، فعندما كان يرحل الملك الفرعوني يشيع إلى مثواه الأخير في موكب جنازي يشبه ذلك الموكب الذي يتحرك في شوارع القاهرة اليوم.
الموكب الملكى الذي ينتظره العالم أجمع، يخرج من المتحف المصرى بالتحرير إلى مكان عرضها الدائم فى المتحف القومى للحضارة المصرية، في الخامسة مساء اليوم الجمعة 4 ديسمبر ولمدة ساعة ونصف، حيث سيقف طلبة المدارس والجامعات رافعين أعلام مصر على طول طريق الموكب الذي ينتهي بحفل سيمفوني يحضرة عدد من ضيوف مصر من رؤساء ووزراء، وذلك فى إطار توجيهات الدولة بإتمام الأنشطة الأثرية والثقافية العالمية على نحو يتسق مع عظمة وعراقة الحضارة المصرية القديمة، ويبرز جهودها الجارية لتطوير وتحديث القاهرة وغيرها من المدن القديمة.
ويتحرك الموكب الملكى للمومياوات من ميدان التحرير حيث توجد المسلة فى أشهر ميادين العالم لتتجه إلى كورنيش النيل، حيث نشاهد توحيد لون دهانات وجهات العمارات الواقعة فى طريق السير بنقل المومياوات، بحيث يكون خروج هذا الحدث المهم أمام العالم بشكل راق عالمى، يليق بتاريخ الحضارة المصرية القديمة، لتصل المومياوات إلى مكان عرضها الدائم بمتحف الحضارات بعين الصيرة الذى يستقبل المومياوات الملكية، وقد تم تحويل الجزء الذى يقع أمام المتحف مباشرة إلى مشروع جذب سياحى يرتبط بالمتحف، فضلا عن إنشاء عدة طرق لتخدم المنطقة وتربطها بالطرق الرئيسية.
ولأنه حدث تاريخي لا يتكرر كثيرا فإن الموكب الملكي للمومياوات في أثناء تحركه من ميدان التحرير تتقدمه الموسيقى العسكرية، ومعروف أن نقل مومياوات الملوك سيضيف ميزة تنافسية لمتحف الحضارات ليستطيع أن ينافس المتحف المصري الكبير بعد افتتاحه، والمتحف المصري بالتحرير بعد تطويره بما يليق بمكانته التاريخية، ولعل مشروع تطوير بحيرة عين الصيرة المقابلة للمتحف القومي للحضارات، ستجعل منه منطقة جذب سياحي مهمة، حيث يرتبط مشروع المتحف بتطوير محيط البحيرة ليكتمل المشهد الحضارى ويشكل مشروع متكامل، بالإضافة إلى التخطيط لإنشاء منطقة فنادق وذلك فى المرحلة الثانية للمشروع.
جدير بالذكر أن المتحف القومي للحضارة المصرية يعد من أهم المشروعات التي تمت بالتعاون مع منظمة اليونسكو، ليصبح من أكبر متاحف الحضارة في مصر والشرق الأوسط ذي رؤية جديدة للتراث المصري العريق، ويضم المُتحف مركزاً لترميم الآثار مجهزا بأحدث الأجهزة العلمية للفحوص والتحاليل الخاصة بالآثار، كما يعد هو المتحف الوحيد في مصر الذي يحتوي على جهاز الكربون المشع (C14) ومعمل لـ (DNA)، ووحدة (أنوكسيا) الخاصة بتعويض نقص الأكسجين في دهاليز المتحف.
أما عن ميدان التحرير الذي يخرج منه الموكب الملكي المهيب فتلك قصة أخرى من العمل الجاد والدؤوب خلال الأشهر القليلة الماضية، من جانب مجلس الوزراء المصري برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي وذلك فقا لتعليمات الرئيس السيسي لتطوير الميدان على نحو يليق بسمعة ومكانة الحضارة المصرية القديمة، ويضاهي ما تذخر به أشهر الميادين في كبرى عواصم العالم من آثار فرعونية، ومن ثم فقد أولى "مدبولي" الميدان والمتحف والمناطق المحيطة بهما عناية خاصة، نظرا لأهميته التاريخية.
والتاريخ يقول أن ميدان التحرير كان يسمى قبل ثورة 23 يوليو (تموز) 1952 بـ "ميدان الإسماعيلية" نسبة إلى الخديو إسماعيل، الذي جعل منه ميدانا يحاكى ميدان "شارل ديجول" الذي يحوى قوس النصر فى العاصمة الفرنسية باريس، حيث كان الخديوى إسماعيل مغرما بالعاصمة الفرنسية باريس، بل وأراد تخطيط القاهرة على غرار باريس، وإنشاء ميدان يشبه ميدان الشانزليزيه، وقد ارتبط بأحداث سياسية وتاريخية مهمة، حيث كان شاهدا على أحداث ثورتي 25 يناير 2011، و30 يونيو 2013، وتم تطويره ضمن مشروع متكامل لتطوير القاهرة التاريخية، ومنطقة عين الصيرة المحيطة بالمتحف القومي للحضارة، والمنطقة المحيطة بالمتحف المصري الكبير، ومنطقة المدابغ بسور مجرى العيون، ومسار نقل المومياوات الملكية من المتحف المصري إلى متحف الحضارة، وذلك بهدف تحويل القاهرة إلى مدينة سياحية وفق مخططات مجلس الوزراء المصري.
وأعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية من قبل الانتهاء من تركيب آخر جزء من مسلة الملك رمسيس الثاني في ميدان التحرير، وذلك في الحادي عشر من فبراير الماضي، والتي تم تركيبها على قاعدة مرتفعة حتى تكون بعيدة عن متناول الزائرين، الذين سيتوافدون على الميدان من كل أنحاء الدنيا، علما بأن تم نقل هذه المسلة التي تحمل دلالة مهمة في الحضارة الفرعونية من منطقة "صان الحجر" الأثرية، وإعادة ترميمها بشكل يتناسب مع عراقة الحضار المصرية القديمة.
وكما هو مكتوب على قاعدة المسلة الفرعونية فإنه يبلغ طول نحو 17 متراً، ووزنها 90 طنا، وهى منحوتة من حجر الجرانيت الوردي، الذي يعد أرقى الأحجار المستخدمة في صناعة التماثيل الفرعونية، وتم تزينها بنقوش تصور الملك رمسيس الثاني واقفا أمام أحد المعبودات، إضافة إلى الألقاب المختلفة للملك رمسيس الثاني، كما تم تركيب الكباش الأربعة في بداية مايو الماضي وتغليفها لحين افتتاح مشروع تطوير الميدان الذي مولته وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، بالتعاون مع محافظة القاهرة ووزارة السياحة والآثار.
وقد تم نقل المسلة إلى وسط ميدان التحرير في وسط "القاهرة"، من خلال جهود مشكورة لشركة المقاولون العرب في إطار تنظيم المشهد العام من حيث مسائل الهندسة المدنية، والرؤية العمرانية، بينما قامت محافظة القاهرة بالتعاون مع جهاز التنسيق الحضاري التابع لوزارة الثقافة بأعمال طلاء جميع الواجهات المحيطة بالميدان، وقامت شركة مصر للصوت والضوء بإضفاء اللمسات الأخيرة من الإضاءة الجمالية للميدان بمشتملاته الأثرية لإظهاره بالشكل اللائق كأهم ميدان من ميادين مصر على الإطلاق.
وميدان التحرير في شكله الجديد أصبح أيقونة "السحر الفرعوني" من خلال ثلاثة محاور لتطويره، ففي المحور الأول تتجلى العظمة والجلال والسحر المستمد من وجود المسلة الفرعونية التي تمثل دلالة مهمة على الخلود والطموح، ووجود الكباش إلى جوارها يصنع مشهدا رائعا، حيث تدل الكباش على القوة والبأس المصري المتملة في جيشه العظيم والبطل الذي يحمي هذا التراب المقدس، كما الناظر للميدان في وضعيته الحالية سوف يلحظ أن الشكل الجديد للميدان يصنع هوية بصرية سيتم حتما استغلالها فى الترويج للمقصد السياحى المصرى فى مختلف حملات الترويج لمصر، وفى القلب منها العاصمة القاهرة، كواجهة سياحية.
والمحور الثاني تضمن تطوير الساحة الرئيسية للميدان "صينية الميدان"، حيث تعد الجزء الأهم بمشروع التطوير، وقد جاءت فكرة التصميم بحيث تكون هناك علامة مميزة للميدان تمثلت في وضع "مسلة فرعونية" في منتصفه، ليضاهي بذلك أشهر ميادين العالم، هذا إلى جانب تثبيت أربع كباش فرعونية على القواعد المخصصة لها بجوار المسلة لإضفاء طابع الحضارة الفرعونية على الميدان، بخلاف نافورة بثلاثة مستويات حول المسلة لتضفي مظهراً جمالياً على الميدان، بالإضافة إلى توفير أعداد مناسبة من المقاعد والجلسات للمواطنين فى جميع أنحاء الميدان، بما يتناسب مع حجم الحركة المتوقع كثافتها من جانب الزائري.
أما المحور الثالث من تطوير ميدان التحرير فقد شمل تطوير مسارات المشاة، بما يسهل من عبور المواطنين في أماكن محددة، كما تم إضافة لمسات جمالية وتاريخية من خلال زيادة المسطحات الخضراء وتوفير أنواع مختلفة من الزراعات الفرعونية مثل شجر الزيتون؛ وذلك لتتناسب مع معالم الميدان التاريخية ذات الطابع الفرعوني، ويشار إلى أنه تم إسناد مهام إدارة الميدان لإحدى الشركات المتخصصة، وذلك لإدارة كافة الجوانب المتعلقة بالميدان والتعامل بحسم مع أي مخالفات للحفاظ على ما تحقق من أعمال تطوير، وبما يضمن في الوقت نفسه استمرار هذا المشروع الحضاري لعشرات السنين على وضعه الجمالي الحالي.
وفي النهاية: تحية تقدير واحترام لمجلس الوزراء المصري، ووزرتي الإسكان والسياحة والآثار، ومحافظة القاهرة على جهودهم الرائعة بسواعد مصرية تدرك أهمية الحضارة التي استطاعت تمجيد الأجداد على على مر التاريخ.