نعم احترس من التاكسى الأبيض، فلم يتعلم أصحابه الدرس جيدا، بعدما غزت تجربة النقل التشاركى السوق، وصارت رقما حقيقيا فى معادلة النقل بمصر، ولم يتبق للتاكسى سوى الرحلات البسيطة داخل الأحياء أو بالقرب من محطات المترو، نتيجة محاولة نسبة غير قليلة منهم "اللعب فى العداد"، وهى حيلة قديمة يتم استخدامها من أجل المغالاة في التعريفة المقررة، في ظل غياب الرقابة والرهان على وعى "الزبون"، الذى غالبا ما يتبع منطق "ادفع واسكت".
الحيلة التى بدأ بعض سائقى التاكسى الأبيض استخدامها تعتمد على العبث بالقياس الكيلومترى في العداد، بمعنى أنه لو رحلة مسافتها الفعلية 2 كيلو متر قد تظهر على العداد المضروب 3 كيلومتر أو يزيد، وهذا ما حدث معى فى الصباح الباكر، فدائما أستقل تاكسى صباحا في المسافة بين منزلى، حتى مقر "اليوم السابع"، وهى مسافة بسيطة تقريبا 2.2 كيلو متر فقط، وفقا للحساب الدقيق وخرائط جوجل والعدادات الدقيقة، إلا أنها زادت اليوم بقدرة قادر وصارت 3.1 كيلو متر، نتيجة عداد التاكسى المضروب، الذى كنت أستقله.
السائق لا تبدو عليه ملاحظات معينة، لكنه استقبلنى بـ "السلامات والطيبون"، وكأنه يعرفنى من المرحلة الثانوية.. الراديو يعمل بصوت متوسط على إذاعة القرآن الكريم، ثم سرعان ما بدأ يشكو ضيق الحال والأزمات المالية، وهى مقدمة أعرفها جيدا واعتدت عليها مع العشرات من سائقى التاكسى الأبيض، الأمر الذى نبهنى إلى متابعة العداد الذى بدأت أشعر معه أنى أمام محاولة للنصب، فأعرف مسافتى جيدا، وأتحرك عليها منذ 6 سنوات.
قبل محطة الوصول بمسافة صغيرة أخبرت السائق أن عداده غير دقيق.. وهنا ارتفع صوت الرجل الطيب، وبدأت ملامحه الشريرة فى الظهور وكأنى سببت أباه وأمه، الأمر الذى دعانى إلى تأكيد ما قلته بصورة أعنف " العداد ده مضروب ياحج.. ومسافتى 2.2 كيلو متر وعدادك وصل 3.1 كيلو متر ولسه ما وصلناش".
السائق تأكد أنى أعرف المسافة جيدا وكشفت "الملعوب"، فقال:" أنا لسه مرخص امبارح وجاى من المرور وهناك كشفوا على العداد وكل حاجة" وهنا أخبرته للمرة الثالثة أن عداده مضروب، ويجب أن يراجعه فى مركز صيانة، لأنه يزيد المسافة بمقدار يصل إلى حوالى 40%، بمعنى لو أن المستهلك سيدفع 100 جنيه، ستكون تكلفته 140 جنيها!!
بعد سجال ونقاش استمر لدقائق قليلة شعر السائق أنه لا أمل، وأن حيلته انكشفت، فقال عبارة "التكسجية" الشهيرة " اللى تدفعه يا أستاذ"، واعدا بإصلاح العداد وضبطه، وأنه لن يقبل أن يدخل جيبه فلوس حرام.
الشاهد من هذه الواقعة أن بعض سائقى التاكسى الأبيض يستغلون الناس ويعبثون بالعدادات من أجل المغالاة فى تعريفة الركوب، فى ظل غياب وشيوع المسئولية عن هذه العدادات ما بين وزارة التموين ووزارة التجارة والصناعة وأجهزة المحليات والمحافظة، وأخيرا المرور المسئول عن المراجعة والفحص الفني، بما يؤكد أنها تحتاج إلى مراجعة ورقابة من جانب الأجهزة المعنية، وتحديد المسئولية عنها بصورة تحافظ على حقوق المستهلك.
في تصورى الشخصى وسائل النقل التقليدية مثل التاكسى سوف تنتهى إلى الأبد خلال سنوات محدودة، ليس فقط نتيجة تردى الخدمة، بل نتيجة الاستغلال الذى يتعرض له المستهلك، لدرجة تصل إلى "السرقة"، لذلك على هذه الفئة أن تراجع خدماتها وتطورها وتغير سلوكياتها وطريقة تعاملها مع جمهور المستهلكين، حتى تضمن لنفسها البقاء والعمل في السوق خلال الفترة المقبلة، أو التحول إلى فكرة شريط الكاسيت، الذى لا تعرفه أجيال الألفية الثالثة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة