يحار الإنسان فى فهم تجربة محمد على باشا وحكمه لمصر، ذلك الرجل الذى أدرك مبكرا أن الحاكم القوى يحتاج دولة قوية كى تظهر قوته، وإن لم تكن القوة موجودة وجب إيجادها، لذا راح الباشا الذكى يهتم بالتعليم والصناعة والجيش واستطاع تحويل مصر إلى دولة قوية وفاعلة، ولكن الغريب أنه برحيله، وقبل رحيله حتى، راحت الأمور تتراجع، وخلف من بعده خلف أضاعوا كل شىء.
تختلف كتب التاريخ فيما يتعلق بحياة عباس الأول حفيد محمد على باشا مواليد 1912، والذى تولى الحكم بعد موت عمه إبراهيم الذى لم يحكم سوى شهور قليلة، ومات فى حياة والده محمد على، وتقول الروايات إن المحيطين بالباشا المريض أخفوا عليه خبر وفاة الابن، المهم أن عباس حلمى هو حفيد محمد على وابن "طوسون" وتولى الحكم لكونه الأكبر سنا فى الأسرة العلوية وحكم خلال الفترة من (1848- 1854) وكان زمنه إعلانا صارخا على تراجع كل شىء.
المحزن فى الأمر أن التراجع الرهيب لم يكن بسبب ظروف خارجية أو تحكمات دولية، بل كان رؤية ذاتية من الوالى، وفى ظنى أن قضيته الأساسية تكمن فى أنه لم يكن ينتمى لمصر فى شىء، على عكس جده وعمه اللذين نظرا إلى الأمر بصورة شخصية تمامًا وتعاملا بأنهما أبناء المكان وورثته، كان عباس حلمى الأول يعيش فى عالم منفصل عما يجرى على الأرض ولا يملك كاريزما الجد ولا رؤيته، ويقول البعض إنه كان يكره المصريين، وأنا أصدق ذلك.
وجاء من بعده محمد سعيد باشا، وفى رأيى هو امتداد لعباس حلمى، لا كاريزما ولا رؤية، ولكنه صاحب ورث فلا همة ولا رغبة فى تميز، لذلك كان زمنه باهتا.
هذه وجهة نظر، فأساتذة التاريخ يعرفون أكثر، ويحللون بصورة أقرب، أنا فقط أحاول أن أفهم كيف لإنسان يملك مقومات أن يكون عظيما ثم لا يفعل ذلك؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة